وَإِذَا ذهبنا نستجلي حقيقة الأمر بطريق البحث العلمي المستند إِلَى حقائق الأمور وقواعد أصحاب هَذَا الفن، نجد أن أبا حاتم الرازي لَمْ يحكم بهذا الحكم من غَيْر بينة، إِذْ أشار في تضاعيف كلامه إِلَى أن مستنده في الحكم بوهم شعبة واختصاره للحديث: مخالفته لجمهور أصحاب سهيل، وهذا هُوَ المنهج العلمي الَّذِي يتبعه أَئِمَّة الْحَدِيْث في مَعْرِفَة ضبط الرَّاوِي، وذلك من خلال مقارنة روايته برواية غيره، وهذا يقتضي جمع الطرق، والحكم عن تثبت، لا بالتكهن والتجويز العقلي الخلي عن البرهان والدليل.
وبغية الوصول إِلَى الحكم الصائب تتبعنا طرق هَذَا الْحَدِيْث، فوجدنا سبعة من أصحاب سهيل رووه عن سهيل خالفوا في رواياتهم رِوَايَة شعبة، وهم:
1. جرير بن عَبْد الحميد بن فرط الضبي، عِنْدَ مُسْلِم (7)، والبيهقي (8).
2. حماد بن سلمة، عِنْدَ: أَحْمَد (9)، والدارمي (10)، وأبي داود (11).
3. خالد بن عَبْد الله الواسطي، عِنْدَ ابن خزيمة (12).
4. زهير بن معاوية، عِنْدَ أبي عوانة (13).
5. عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ (14)، وابن خزيمة (15)، وابن المنذر (16).
6. مُحَمَّد بن جعفر، عِنْدَ البَيْهَقِيّ (17).
7. يَحْيَى بن المهلب البجلي، عِنْدَ الطبراني في " الأوسط " (18).
ورِوَايَة الجمع أحق أن تتبع ويحكم لها بالسلامة من الخطأ.
ولا يطعن هَذَا في إمامة شعبة ودينه، فهذا أمر وهذا أمر آخر، ومن ذا الَّذِي لا يخطئ.
ولا يشترط أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث المختصر موجوداً في الْحَدِيْث المختصر مِنْهُ، بَلْ يكفي وجود المعنى، إِذْ لربما اختصر الرَّاوِي الْحَدِيْث، ثُمَّ رَوَى اللفظ المختصر بالمعنى، فَلاَ يبقى رابط بَيْنَهُمَا سوى المعنى، وهذا ما نجده في حديثنا هَذَا، وبه يندفع اعتراض ابن التركماني ومن قلّده.
.............................. ..... ............................
(1) أخرجه الطيالسي (2422)، وابن الجعد (1643)، وأحمد 2/ 410 و 435 و 471، وابن ماجه (515)، والترمذي (74)، وابن الجارود (2)، وابن خزيمة (27)، والبيهقي 1/ 117 و 220.
(2) علل الْحَدِيْث 1/ 47 (107).
(3) السنن الكبرى 1/ 117.
(4) الجوهر النقي 1/ 117.
(5) (نيل الأوطار 1/ 224.
(6) غوث المكدود 1/ 17.
(7) في صحيحه 1/ 190 (362) (99).
(8) في سننه 1/ 117.
(9) في مسنده 2/ 414.
(10) في سننه (727).
(11) في سننه (177).
(12) في صحيحه (24) و (28).
(13) في مسنده 1/ 267.
(14) في جامعه (75)، وسياق الإِمَام التِّرْمِذِيّ للرواية المختصرة وتعقيبه بالرواية المطولة، ينبه بِذَلِكَ ذهن الباحث عَلَى وجود كلتا الرِّوَايَتَيْنِ، لا أنَّهُ صحح كلا الرِّوَايَتَيْنِ!!!
(15) في صحيحه (24).
(16) في الأوسط (149).
(17) في سننه 1/ 161.
(18) 2/ 157 (1565).
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم على إفادتنا بهذه الطرق
فما كنت أدري أن أحدا خالف أبا حاتم في هذا
"نسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا" من هو ابن التركمان؟
أحسن الله إليكم شيخنا الطريق الثاني الذي ذكرتموه لما قدمتم الدارمي على أبي داود؟
بالنسبة لتخريخ وجمع طرق الحديث هل هناك مراجع أخرى غير كتاب "اتحاف المهرة؟
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ماهر ..
ألا يتقوّى حديث شعبة الذي رواه مختصراً، ألا يتقوّى بشاهد السائب بن خباب .. الذي أخرجه أحمد في المسند:
حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الله بن مالك، أن محمد بن عمرو بن عطاء حدثه، قال: رأيت السائب يشم ثوبه، فقلت له: مم ذاك؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا وضوء إلا من ريح أو سماع " ..
نفعنا الله بعلمكم.
همدان
الجواب:
وأنتم بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.
ابن التركماني: هو علي بن عثمان المارديني المتوفى 745 صاحب كتاب الجوهر النقي وهو تعقبات على كتاب السنن الكبرى للبيهقي.
وفيما يتعلق بالتخريج فيجب الرجوع إلى الكتب ولا يكتفى بإتحاف المهرة.
أما متابعة ابن لهيعة فلا تصلح للتقوية لضغف ابن لهيعة؛ ولعل حديث شعبة انقلب عليه.
وفقكم الله
استدراك
¥