تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يؤكد أنَّ هذا الحديث حدّث به الدراورديُّ من غير كتبه وأنَّه لم يضبطه، أنَّه رواه كما تقدم، وقال: ((وليضعْ يديه قبلَ ركبتيهِ)) ورواه عند البيهقيِّ 2/ 100 وجاء في روايته: ((وليضعْ يديه على ركبتيه)) والفرق بين الروايتين واضح جليٌّ، قال البيهقيُّ عقبه: ((كذا قال على ركبتيه، فإنْ كان محفوظاً كان دليلاً على أنَّه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود)).

وكل ما تقدم فإنَّما هو بيان حال السند، وأما علة المتن.

فكما تقدم أنَّ رواية الدراورديِّ: ((إذا سجد أحدُكم فلا يبركْ كما يبركُ البعير، وليضعْ يديه قبل ركبتيه)) ورواية عبد الله بن نافع: ((يَعمدُ أحدُكم في صلاتهِ فيبرك كما يبركُ البعيرُ)) وظاهر سياق الروايتين التعارض، ففي الأولى يمنع تقدم الركبتين، بل يضع يديه قبلهما، وأما الرواية الأخرى فظاهرها يوحي بمنع وضع اليدين قبل الركبتين، قال: ((فيبرك كما يبركُ البعيرُ)) والبعير إنَّما يضع يديه ثم ركبتيه، وكما هو ظاهر فإنَّ هاتين الروايتين لا يمكن الجمع بينهما وجاء ت رواية ثالثة: ((وليضعْ يديهِ على ركبتيه)) لتزيد هذا المتن اضطراباً.

وقد تكلم أهل العلم في هذا الحديث، فقال الترمذيُّ عقب (269): ((حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه))، وقال ابن المنذر في " الأوسط " 3/ 167 عقب (1432): ((وقد زعم بعض أصحابنا أنَّ وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ))، وقال ابن العربيِّ في " عارضة الأحوذي " 2/ 61: ((ضعيف))، وقال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 22/ 262: ((وقيل: إنَّه منسوخ))، وقال ابن القيم في حاشيته مع " تهذيب سنن أبي داود " 1/ 293: (( .. إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بالجَمَل في بروكه، والجمل إذا برك إنَّما يبدأ بيديه قبل ركبتيه. وهذا موافق لنهيه صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالحيوانات في الصلاة، فنهى عن التشبه بالغراب في النقر، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ورفع الأيدي في السلام كأذنابِ الخيل وبروك كبروك البعير)). (ساق ابن القيم هذا المعنى من مجموع عدد من الأحاديث، وانظر في ذلك " بلوغ المرام " باب صفة الصلاة).

وقال رحمه الله في " زاد المعاد " 1/ 216 - 219: ((فالحديث والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإنَّ أوله يخالف آخره، فإنَّه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإنَّ البعير إنَّما يضع يديه أولاً، ولما علم أصحاب هذا القول ذلك، قالوا: ركبتا البعير في يديه لا في رجليه، فهو إذا برك وضع ركبتيه أولاً فهذا هو المنهيُّ عنه وهو فاسد لوجوه: أحدها:

أنَّ البعير إذا برك فإنَّه يضع يديه أولاً وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنَّه ينهض برجليه أولاً وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نَهَى عنه صلى الله عليه وسلم وفعل خلافه. وكان أول ما يقع منه على الأرض الأقرب منها فالأقرب وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى. وكان يضع ركبتيه أولاً ثم يديه ثم جبهته وإذا رفع، رفع رأسه أولاً ثُمَّ يديه ثم ركبتيه وهذا عكس فعل البعير ... وذكر نحو كلامه في حاشيته على "سنن أبي داود ".

الثاني: أنَّ قولهم: ركبتا البعير في يديه، كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة، وإنَّما الركبة في الرِّجلينِ، وإنْ أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة فعلى سبيل التغليب.

الثالث: أنَّه لو كان كما قالوه، لقال: فليبركْ كما يبركُ البعيرُ وأنَّ أول ما يمسُ الأرض من البعير يداه، وسِرُّ المسألة أنَّ من تأمل بروك البعير، وعلم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بروك كبروك البعير، علم أنَّ حديث وائل بن حُجر هو الصواب، والله أعلم، وكان يقع لي أنَّ حديث أبي هريرة كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنُه وأصلُه، ولعله: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) ... .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير