وأما ما نقله عن ابن التركماني في " الجوهر النقي " 2/ 100 وقد تقدم فنجيب عنه فنقول: ومن قال: إنَّ البخاريَّ جرح محمداً؟ وهل قول الناقد: (فلان لم يتابع على كذا) يعد نَصّاً في التجريح أم أنَّه إشعار بتفرّد الراوي بهذا الإسناد. ثم إنَّ هذا الإسناد: (أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة) هذا أحد الأسانيد الذهبية التي إن صحت ضُربت إليها أكباد الإبل، فعلامَ إذن ينفرد به راوٍ، ولم يتابع عليه، وينفرد عنه راو آخر، وفي الحديث شبهة انقطاع وفيه اختلاف في متنه، فهذا كله ألا يثير في القلب ريبة بإعلاله؟ ثم إنَّ هذا الحديث وبالحالة التي قدمناها اكتسب صفة الغرابة، وقد قال سلف الأمة بالابتعاد عن الغرائب، فقد قال يحيى بن معين في " تاريخه " (541) برواية
الدوري: ((ما أكذب الغرائب))، ونقل الخطيب في " الكفاية ": 172 عن أحمد أنَّه قال: ((شر الحديث الغرائب، التي لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها))، ونقل عنه أيضاً أنَّه قال: ((تركوا الحديث، وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم!))، ونقل عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي قوله: ((من اتبع غريب الحديث كذب)) وفي: 173 عن عبد الرحمان بن مهدي يذكر عن شعبة قيل له: من الذي يترك حديثه؟ قال:
((الذي إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر، طرح حديثه)).
وانظر: " تحفة الأشراف " 9/ 601 (13866).
وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه.
فأخرجه: أبو داود برواية ابن العبد كما في " تحفة الأشراف " 5/ 496 (8030)، وابن خزيمة (627) بتحقيقي، وابن المنذر في " الأوسط " (1430)، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 254 وفي ط. العلمية (1476)، والدارقطنيُّ 1/ 343 ط. العلمية و (1303) ط. الرسالة، والحاكم 1/ 226، ومن طريقه البيهقيُّ 2/ 100، والحازميُّ في "الاعتبار": 120 ط. الوعي و (85) ط. ابن حزم من طريق الدراورديِّ، عن عبيد الله ابن عمر – وهو العمري – عن نافع، عن ابن عمر: أنَّه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ ذلكَ.
قال الحازميُّ عقبه: ((هذا حديث يعد في مفاريد عبد العزيز، عن عبيد الله)).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تصحيح هذا الحديث اعتماداً منهم على ظاهر إسناده، فقال الحاكم: ((هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه))، وقال أيضاً: ((فأما القلب في هذا فإنَّه إلى حديث ابن عمر أميل، لروايات في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين))، وقال الألبانيُّ في " إرواء الغليل " 2/ 77 (753) عقب نقله كلام الحاكم الشطر الأول منه: ((ووافقه الذهبي، وهو كما قالا)).
قلت: وكل ما تقدم من تصحيح ليس بصحيح، فالحديث معلول بثلاث علل:
الأولى: أنَّه كما تقدم في كلام الحازميِّ تفرّد به الدراورديُّ.
الثانية: التعارض بين الرفع والوقف فكما تقدم أنَّه رواه مرفوعاً.
وأخرجه: البيهقي 2/ 100 عن الدراورديِّ بإسناده موقوفاً. وهذه الرواية أيضاً علّقها البخاريُّ 1/ 202 قبيل (803) وقال: قال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه.
قلت: والملاحظ أنَّ البخاريَّ رحمه الله علّق هذه الرواية بصيغة الجزم ما يدل على صحة الموقوف عنده. وقال ابن المنذر في " الأوسط " 3/ 166 قبيل (1432): ((وقد تكلم في حديث ابن عمرَ، قيل: إنَّ الذي يصح من حديث ابن عمر موقوف))، وقال البيهقيُّ 2/ 100: ((وما أراه إلا وهماً)).
وأما العلة الثالثة: فكثير من مرويات الدراورديِّ عن عبيد الله بن عمر إنَّما هي عن أخيه عبد الله بن عمر، قال أحمد فيما نقله المزي في " تهذيب الكمال " 4/ 528 (4058): ((ما حدَّث عن عبيد الله بن عمر فهو عن عبد الله بن عمر))، ونقل عنه أيضاً: ((وربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر))، وعن النَّسائيِّ أنَّه قال: ((ليس به بأس، وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر))، وهذا القسم الثالث من أقسام حديث الدراوردي الذي سبقت الإشارة إليه. واعتماداً على ما قدمناه من أقوال أهل العلم فإنَّ الإسناد الصحيح لهذا الطريق هو: الدراوردي، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفاً عليه، وهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف عبد الله بن عمر، وقد تقدمت ترجمته مراراً.
وقد روي عن ابن عمر أنَّه كان يضع ركبتيه قبل يديه.
فقد أخرجه: ابن أبي شيبة (2717) من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّه كان يضعُ ركبتيهِ إذا سجدَ قبل يديهِ، ويرفعُ يديه إذا رفعَ قبل ركبتيه.
وهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، فقد نقل ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 7/ 431 (1739) عن يحيى بن معين أنَّه قال فيه: ((ليس بذاك))، ونقل عن أحمد بن حَنْبل أنَّه قال فيه: ((كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه، حديثه فيه اضطراب))، وقال النَّسائيُّ في " الضعفاء والمتروكون " (525): ((ليس بالقوي في الحديث)).
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى إعلال حديث ابن عمر، فقال ابن خزيمة قبيل (627): ((باب ذكر خبر روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في بدئه بوضع اليدين قبل الركبتين عند إهوائه إلى السجود منسوخ، غلط في الاحتجاج به بعض من لم يفهم من أهل العلم أنَّه منسوخ، فرأى استعمال الخبر والبدء بوضع اليدين على الأرض قبل الركبتين)) ثم أخرج حديث ابن عمر.
وانظر: " تحفة الأشراف " 5/ 495 (8030).
يتبع .............................
¥