تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخذ هذا المثال لما دلس فيه ابن جريج:

روى ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَبُلْ قائماً)).

أخرجه: ابن حبان (1423) بهذا الإسناد.

وقال: ((أخاف أنَّ ابن جريج لم يسمعْ من نافع هذا الخبر)).

علق الحافظ ابن حجر في " إتحاف المهرة " 9/ 155 (10766) على هذا القول بقوله: ((قلت: وهو كذلك فقد رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وابن أبي المخارق ضعيف. ورواه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر موقوفاً، وهو الصواب)).

(هذا من درر الحافظ ابن حجر الذي طرز فيها كتابه النافع الماتع " إتحاف المهرة " على أنَّه مقلٌ في ذكر العلل في هذا الكتاب، وله سلف في ذلك هو صنيع المزي في " تحفة الأشراف " والمزي يكثر من ذلك، ولو أنَّ أحد الباحثين جمع علل الكتابين أو علل أحدهما لكان عملاً نافعاً).

وهذا الحديث ظاهره الصحة لكون رجاله ثقات لولا عنعنة ابن جريج وهو مدلس.

وقد تحققتْ مخاوف ابن حبان؛ إذ صرّح ابن جريج بمن أسقط، حيث رواه عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبولُ قائماً، فقال: ((يا عُمرُ لا تبلْ قائماً)) فما بلتُ قائماً بعد.

أخرجه: عبد الرزاق كما في " إتحاف المهرة " 9/ 155 (10766)، وابن ماجه (308)، وأبو عوانة 4/ 25 (5898)، وابن عدي في " الكامل " 7/ 40، والحاكم 1/ 185، والبيهقي 1/ 102 من طريق ابن جريج، عن عبد الكريم.

قال البيهقي: ((وعبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف)).

وعلقه الترمذي عقب (12) وقال: ((وإنَّما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه أيوب السَّختياني وتكلم فيه)).

وعبد الكريم بن أبي المخارق، قال عنه ابن معين في " تاريخه " (681) برواية الدارمي: ((ليس بشيء))، وقال النسائي في " الضعفاء والمتروكون " (401): ((متروك الحديث))، وذكره الدارقطني في " الضعفاء والمتروكون " (361).

قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " 1/ 45: ((هذا إسناد ضعيف، عبد الكريم متفق على تضعيفه، وقد تفرّد بهذا الخبر وعارضه خبر عبيد الله بن عمر العمري الثقة المأمون المجمع على ثقته، ولا يغتر بتصحيح ابن حبان هذا الخبر من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر)).

(ابن حبان لم يصحح الحديث؛ إذ إنَّه توقف فيه. وابن حبان في كثير من تصرفاته ناسج نسج شيخه ابن خزيمة، فابن خزيمة صحح جميع ما في كتابه " مختصر المختصر " إلا ما ضعفه، أو توقف فيه، أو ما قدم المتن على الإسناد. فابن حبان على طريقة شيخه في أغلب الأمور، والله أعلم)

وخبر عبيد الله بن عمر المشار إليه أخرجه: ابن أبي شيبة (1332)، والبزار (149)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 4/ 268 وفي ط. العلمية (6678) من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: ما بلتُ قائماً منذُ أسلمتُ. موقوفاً.

وذكره الترمذي معلقاً عقب (12) وقال: ((وهذا أصح من حديث عبد الكريم)).

إذن فالصواب في الحديث الوقف، والرفع خطأ أخطأ فيه عبد الكريم، ورواية ابن حبان فيها تدليس ابن جريج.

(قال الدارقطني: ((شر التدليس تدليس ابن جريج فإنَّه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح)) " طبقات المدلسين " (83).)

وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني رأيٌ آخر في إعلال هذا الحديث؛ إذ إنَّه أعل حديث ابن جريج بما روي عن عبد الله بن عمر أنَّه رأى عبد الله بن دينار بال قائماً، فقد قال الشيخ رحمه الله في " الضعيفة " (934) معقّباً على كلام البوصيري: ((ولم أعرف حديث عبيد الله الذي أشار إليه ... لكن الظاهر أنَّه يعني مثل حديث عبد الله بن دينار أنَّه رأى عبد الله بن عمر بال قائماً. أخرجه البيهقي 1/ 102 وقال: وهذا يضعف حديث عبد الكريم، وقد روينا البول قائماً عن عمر وعلي وسهل بن سعد وأنس بن مالك ... ، ثم قال الشيخ الألباني رحمه الله: ثم وقفت على حديث عبيد الله العمري في " مصنَّف " ابن أبي شيبة 1/ 124 طبع الهند (في ط. الرشد (1332))، ومسند البزار (31 زوائده) فإذا هو لا يعارض حديث الترجمة كما ادعى البوصيري فإنَّه رواه عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: ما بلتُ قائماً منذ أسلمت. وإسناده صحيح فالأولى المعارضة بأثر عبد الله بن دينار المتقدم عن ابن عمر على اعتبار أنَّه هو الذي روي الحديث عنه كما هو ظاهر، ثم بما روى ابن أبي شيبة أيضاً قبيل الموضع المشار إلى صفحته آنفاً من طريق أخرى عن زيد، قال: رأيت عمر بال قائماً، وزيد هذا هو ابن وهب الكوفي، وهو ثقة كسائر من دونه فالإسناد صحيح أيضاً، ولعل هذا وقع من عمر رضي الله عنه بعد قوله المتقدم، وبعد ما تبين له أنَّه لا شيء في البول قائماً)).

قلت: الذي تميل إليه النفس هو الإعلال بما أعله به البوصيري إنَّما هو عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. فالإعلال برواية عبيد الله بن عمر أجود؛ لاتحاد المخرج وهو نافع. لكن يبقى الاستشكال وهو أنَّ ابن جريج في روايته التي دلّس فيها عبد الكريم وهي التي أخرجها ابن حبان قصر الحديث المرفوع إلى ابن عمر، ولم يجعله من مسند أبيه، فالله أعلم وما ذهب إليه العلامة الألباني ينفع في قوة إعلال الحديث، وأنَّ الحديث المرفوع حديث فائدةٌ.

انظر: "إتحاف المهرة" 9/ 148 (10745) و9/ 155 (10766) و 12/ 260 (15537) و (15538).

المصدر: http://www.hadiith.net/montada/showthread.php?p=37711#post37711

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير