وقال القاضي عياض فيما نقله ابن حجر في " فتح الباري " 8/ 558 عقيب (4740): ((هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده .. ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية، قال: وقد بَيّنَ البزار أنَّه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر، عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله، وأما الكلبيُّ فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه)).
وقال أيضاً فيما نقله المباركفوري في " تحفة الأحوذي " 3/ 167: ((وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أنَّ سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل؛ لأنَّ مدح إله غير الله تعالى كفر، ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنْ يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك)).
وقال أيضاً فيما نقله القرطبي في " تفسيره " 12/ 82: ((إنَّ لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله، والثاني: على تسليمه.
أما المأخذ الأول: فيكفيك أنَّ هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه بسند صحيح سليم متصل ثقة؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، والمتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم.
وأما المأخذ الثاني: فهو مبنيٌ على تسليم الحديث لو صح. وقد أعاذنا الله من صحته)).
وقال ابن عطية في " تفسيره " 10/ 305 ط. الفكر و: 1318 ط. ابن حزم: ((وهذا الحديث الذي فيه هذه الغرانقة وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ومسلم ولا ذكره - في علمي - مصنف مشهور)).
وقال ابن خزيمة فيما نقله الشوكاني في " فتح القدير " 3/ 462: ((إنَّ هذه القصة من وضع الزنادقة))، وقال ابن كثير في " تفسيره ": 1282: ((ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم)).
فالكل يؤكد عدم صحة هذه القصة، إلا أنَّ الحافظ ابن حجر قال في " الفتح " عقيب 8/ 558 (4740): ((ومعناهم كلهم في ذلك واحد، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع. لكن كثرة الطرق يدل على أنَّ للقصة أصلاً. وقال: وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإنَّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أنَّ لها أصلاً)).
وقد تعقّبه العلاّمة الكبير أحمد محمد شاكر – رحمه الله – في تعليقه على جامع الترمذي 2/ 465 بقوله: ((وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له، ولكل عالم زلة عفا الله عنه)).
زيادة على ما ذكر فمن العلماء الذين حكموا على هذه القصة المكذوبة بالوضع: ابن العربي في " أحكام القرآن " 2/ 73 - 75، والفخر الرازي في " تفسيره " 6/ 193 - 197، والعيني في " عمدة القاري " 19/ 16.
أقول: تقدم كلام أهل العلم في نقد هذه القصة وبيان بطلانها، وتقدم أيضاً أنَّ الأسانيد الموصولة كلها ضعيفةٌ، وأنَّ هذه الأسانيد من نسج أوهام بعض الرواة، ومقابل ذلك ظهرت لنا ثلاث أسانيد مرسلة إلا أنَّها غاية في القوة إلى مرسليها، وهي طريق سعيد بن جبير، وأبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث، وأبي العالية. فهذه الأسانيد الثلاثة انطلقت منها بعض أقسام القبول باعتبار صحة الإسناد إلى سعيد بن جبير، وأنَّ سعيداً من كبار التابعين، فإذا أنضمت إليه الطرق المرسلة الأخرى صار للقصة أصل، وأظن أنَّ هذا المدخل الذي دُخِلَ به على الحافظ فقال: (( .. كثرة الطرق يدل على أنَّ للقصة أصلاً)). ولكن لو رويت هذه القصة بألف إسناد لما كان لذي لب تصحيحها، فقد عُلِمَ أنَّ شروط الحديث الصحيح خمسة: ثلاثة في السند واثنان مشتركان بين السند والمتن، فإذا استوت الأسانيد صحيحة، درسنا متنها لنعلم ما يجوز منها وما لا يجوز، وما هو مستحيل، من المستحيل جزماً أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المؤيد بالتأييدات الإلهية – آلهة قريش، وكيف يكون ذلك وقد عصمه ربه من مجرد الالتفات لتلك الأصنام قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، أفيجوز وقوعه في مثل هكذا وهم بعد البعثة؟! وأهل العلم الذين ناقشوا هذه القصة
¥