تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قَالَ: لَسْت أَبِي " وَالذِّيخ بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ذَكَر الضِّبَاع، وَقِيلَ لَا يُقَال لَهُ ذِيخ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر. وَالضِّبْعَان لُغَة فِي الضَّبْع. وَقَوْله: " مُتَلَطِّخ " قَالَ بَعْض الشُّرَّاح: أَيْ فِي رَجِيع أَوْ دَم أَوْ طِين. وَقَدْ عَيَّنَتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمُرَاد وَأَنَّهُ الِاحْتِمَال الْأَوَّل حَيْثُ قَالَ: فَيَتَمَرَّغ فِي نَتْنه. قِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه لِتَنْفِرَ نَفْس إِبْرَاهِيم مِنْهُ وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّار عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَة عَلَى إِبْرَاهِيم. وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِي مَسْخه ضَبْعًا أَنَّ الضَّبْع مِنْ أَحْمَق الْحَيَوَان، وَآزَرَ كَانَ مِنْ أَحْمَق الْبَشَر، لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَلَده مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات أَصَرَّ عَلَى الْكُفْر حَتَّى مَاتَ. وَاقْتَصَرَ فِي مَسْخه عَلَى هَذَا الْحَيَوَان لِأَنَّهُ وَسَط فِي التَّشْوِيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِير وَإِلَى مَا فَوْقَهُ كَالْأَسَدِ مَثَلًا، وَلِأَنَّ إِبْرَاهِيم بَالَغَ فِي الْخُضُوع لَهُ وَخَفْض الْجَنَاح فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْر فَعُومِلَ بِصِفَةِ الذُّلّ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلِأَنَّ لِلضَّبْعِ عِوَجًا فَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ آزَرَ لَمْ يَسْتَقِمْ فَيُؤْمِن بَلْ اِسْتَمَرَّ عَلَى عِوَجه فِي الدِّين. وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَصْله وَطَعَنَ فِي صِحَّته فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ: هَذَا خَبَر فِي صِحَّته نَظَر مِنْ جِهَة أَنَّ إِبْرَاهِيم عَلِمَ أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد؛ فَكَيْف يَجْعَل مَا صَارَ لِأَبِيهِ خِزْيًا مَعَ عِلْمه بِذَلِكَ؟ وَقَالَ غَيْره: هَذَا الْحَدِيث مُخَالِف لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: (وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) اِنْتَهَى. وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ أَهْل التَّفْسِير اِخْتَلَفُوا فِي الْوَقْت الَّذِي تَبَرَّأَ فِيهِ إِبْرَاهِيم مِنْ أَبِيهِ، فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا لَمَّا مَاتَ آزَرَ مُشْرِكًا، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس وَإِسْنَاده صَحِيح. وَفِي رِوَايَة: " فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِر لَهُ " وَمِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه قَالَ: " اِسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ " وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق مُجَاهِد وَقَتَادَةَ وَعَمْرو بْن دِينَار نَحْو ذَلِكَ، وَقِيلَ إِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة لَمَّا يَئِسَ مِنْهُ حِينَ مُسِخَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَة اِبْن الْمُنْذِر الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا، وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول: إِنَّ إِبْرَاهِيم يَقُول يَوْمَ الْقِيَامَة: رَبِّ وَالِدِي، رَبِّ وَالِدِي. فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَة أُخِذَ بِيَدِهِ فَيَلْتَفِت إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَان فَيَتَبَرَّأ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ: يَقُول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ: إِنِّي كُنْت آمُرك فِي الدُّنْيَا وَتَعْصِينِي، وَلَسْت تَارِكك الْيَوْمَ فَخُذْ بِحَقْوِي، فَيَأْخُذ بِضَبْعَيْهِ فَيُمْسَخ ضَبْعًا، فَإِذَا رَآهُ إِبْرَاهِيم مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ. وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا فَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ، لَكِنْ لَمَّا رَآهُ يَوْمَ الْقِيَامَة أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَة وَالرِّقَّة فَسَأَلَ فِيهِ، فَلَمَّا رَآهُ مُسِخَ يَئِسَ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ تَبَرُّءًا أَبَدِيًّا وَقِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَتَيَقَّن مَوْته عَلَى الْكُفْر بِجَوَازِ أَنْ يَكُون آمَنَ فِي نَفْسه وَلَمْ يَطَّلِع إِبْرَاهِيم عَلَى ذَلِكَ، وَتَكُون تَبْرِئَته مِنْهُ حِينَئِذٍ بَعْدَ الْحَال الَّتِي وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيث. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: إِذَا أَدْخَلَ اللَّه أَبَاهُ النَّار فَقَدْ أَخْزَاهُ لِقَوْلِهِ: (إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته) وَخِزْي الْوَالِد خِزْي الْوَلَد فَيَلْزَم الْخُلْف فِي الْوَعْد وَهُوَ مُحَال، وَلَوْ أَنَّهُ يَدْخُل النَّار لَزِمَ الْخُلْف فِي الْوَعِيد وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّه حَرَّمَ الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ) وَالْجَوَاب أَنَّهُ إِذَا مُسِخَ فِي صُورَة ضَبْع وَأُلْقِيَ فِي النَّار لَمْ تَبْقَ الصُّورَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْخِزْي، فَهُوَ عَمَل بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيد. وَجَوَاب آخَر: وَهُوَ أَنَّ الْوَعْد كَانَ مَشْرُوطًا بِالْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا اِسْتَغْفَرَ لَهُ وَفَاءً بِمَا وَعَدَهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ. قُلْت: وَمَا قَدَّمْته يُؤَدِّي الْمَعْنَى الْمُرَاد مَعَ السَّلَامَة مِمَّا فِي اللَّفْظ مِنْ الشَّنَاعَة، وَاَللَّه أَعْلَم

)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير