تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هنا وقفة: و هي البدء في أمور الدعوة بالأهم فالأهم , و ما حديث معاذ عندما بعثه النبي صلى الله عليه و سلم لأهل اليمن إلا دليل على هذا الأمر , فقوم مشركون لا يسوغ لنا أن نبدأ في دعوتهم بأمور الصلاة و الزكاة و الحج و الصيام قبل أن نبدأ بدعوتهم لتوحيد الله عز و جل و نبذ كل ما يعبد من دونه (و هو الكفر بالطاغوت) و الذي بدأ بعض كتاب بني علمان في نفيه كابن بجاد و غيرهم _ هداهم الله و أراح المسلمين من شرورهم_.

(اعبدوا ربكم الذي خلقكم): كما هو معلوم أن الخطاب هنا للناس أجمعين فانظر يا رعاك الله إلى روعة الخطاب هنا _ فالله عز و جل يأمر الناس بعبادة ربهم _ و كما هو معلوم أنه لم يعلم أحد ينكر أن الله عز و جل هو الرب الخالق الرازق من الأقوام إلا بعض من طمس الله على بصيرته كفرعون الذي امن و لات حين مناص و بعض الملاحدة , و لكن هؤلاء في قرارة أنفسهم مؤمنون بالله تعالى كما قال تعالى (و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا) فلما كان الناس مؤمنين بهذا الرب الخالق الرازق و هو _ توحيد الربوبية_ فإن الله عز و جل ذكر كلمة (ربكم) لأن كل الناس كما ذكرنا قد امنوا بربوبية الرب سبحانه فلا مناص إذا من الانتباه لهذا النداء الرباني.

و انظر إلى الضمير التالي (ربكم) فلعل هذا يدل على ما أسلفنا أن كل البشرية مؤمنون بهذا الرب فكان هذا الضمير دليلا على هذا, و لكن انظر إلى فعل الأمر الذي سبقه (اعبدوا) فهذا دعوة لتوحيد الإلهية).

و لعل في هذا دليل على مخاطبة الناس على وفق ما يدركون أو يتصورون و كلنا نعلم مقولة ابن مسعود: إنك لن تحدث الناس حديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة عليهم) فالخطاب للناس كان استنادا على ما فطره الله تعالى في العباد من معرف ربهم و خالقهم و رازقهم (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله).

و اذكر أن بعض الشباب الملتزمين جزاه الله خيرا * أراد أن يهدي لرجل شريطا و كان هذا الرجل فيه بادرة إيمان فأهداه شريطا عن أضرار الزنا * فرحماك ربي من بعض الإجتهادات الخاطئة و لا يعزب عنا قول القائل:

البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها و إما بؤسها

و كذلك من الأمثلة ما يقوم به بعض أئمة المساجد من قراءة كتب ثقيلة على المأمومين كقراءة بعض الكتب التي تتكلم في تفاصيل القدر و غيرها * و هذا مخالف لما عليه أئمة الإسلام.

و يذكر أن سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز أرسل رسالة استنكارية لأحد الإخوان الذين كان لهم برنامجا في الإذاعة و كان عنوان البرنامج (تعلم و اسأل) و طريقة البرنامج أنه يعرض المسألة الفقهية جائلا بها بين كتب المذاهب الأربعة دون ترجيح. فأرسل له ابن باز مناصحا بأن هذا يلزم منه تفرق العامة و الخلط عليهم و أوصاه بإتباع الدليل من الكتاب و السنة دون الخوض في غمار كتب المذاهب.

(الذي خلقكم): بعد أن أمر الله تعالى الناس بعبادة الله عز و جل و هو الرب جل و علا, ذكر الله عز و جل بعض صفاته و التي يعتقدها هؤلاء المشركون ألا و هي الخلق , قال تعالى (و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله).

قاعدة: من لا يخلق لا يستحق أن يعبد,. و إليك ما قاله الله تعالى في سورة الأحقاف (قل أرئيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض) أي يا كفار قريش:أما و قد عبدتم هذه الأصنام التي لا تضر و لا تنفع فأروني ماذا خلقت هذه الأصنام , فإن من لا يخلق لا يستحق أن يعبد من دون الله.

و الخلق أقسام فمن معانيه الإبتداء: أي أن يوجد شئ ليس بموجود أصلا و هذا لا يستطيع أحج من الناس فعله فهو خاص بالله فهو الذي أوجد الناس من العدم و خلق كل المخلوقات و لم تكن شيئا مذكورا.

و أما المعنى الثاني فهو التحويل: أي أن تحول المادة من شكل إلى شكل, فهذا الخشب تستطيع أن تصنع منه بابا أو كرسيا أو غير ذلك , فهذه قد تطلق على المخلوقين , و قد يحمل عليها قوله تعالى (تبارك الله أحسن الخالقين) و إن عارض بعض العلماء في ذلك فالمسألة اجتهادية.

أما سمعتم قول الله تعالى (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك) فمن خلقك و سواك و عدلك ألا يستحق أن تعبده وحده, فحق لأصحاب العقول الصافية ن يدركوا مثل هذه الحكم و العظات.

(و الذين من قبلكم): أي أن الله هو الذين من قبلكم من الأقوام السابقة,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير