ولهذا فمن امتن الله عليه بذلك فقد وفق لخير كثير وفضل عظيم، ولهذا قال الامام الطبري رحمه الله في تفسيره في قول الله تعالى: {وَاَللَّه ذُو الْفَضْل الْعَظِيم} يَقُول: ذُو فَضْل يَتَفَضَّل بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ وَشَاءَ مِنْ خَلْقه. ثُمَّ وَصَفَ فَضْله بِالْعِظَمِ , فَقَالَ: فَضْله عَظِيم لِأَنَّهُ غَيْر مُشَبَّه فِي عِظَم مَوْقِعه مِمَّنْ أَفْضَلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَال خَلْقه , وَلَا يُقَارِبهُ فِي جَلَالَة خَطَره وَلَا يُدَانِيه.
ثالثاً: يقول الله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال / 29].
هذه الآية تؤكد على كريم فضل الله وعظيم شأنه إذ هو سبحانه يتفضل على عباده المؤمنين المتقين الذين اتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه بأن يجعل له مخرجاً ونجاة في أمور دنياه، وأن يمحو ما سلف من ذنوبه وأن يسترها عليه فلا يؤاخذهم بها.
ولهذا وصف الامام الطبري رحمه الله هذا التفضل بقوله: وَاَللَّه الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ , لَهُ الْفَضْل الْعَظِيم عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَيْركُمْ مِنْ خَلْقه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَفِعْل أَمْثَاله , وَإِنَّ فِعْله جَزَاء مِنْهُ لِعَبْدِهِ عَلَى طَاعَته إِيَّاهُ , لِأَنَّهُ الْمُوَفِّق عَبْده لِطَاعَتِهِ الَّتِي اِكْتَسَبَهَا حَتَّى اِسْتَحَقَّ مِنْ رَبّه الْجَزَاء الَّذِي وَعَدَهُ عَلَيْهَا.
رابعاً: قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد/ 21].
وفي هذه الآية الكريمة يدعونا ربنا سبحانه للمسابقة إلى جنة عظيمة عرضها كعرض السماء والأرض، هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي عَرْضهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْض الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله , فَضْل اللَّه تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , وَهُوَ ذُو الْفَضْل الْعَظِيم عَلَيْهِمْ , بِمَا بَسَطَ لَهُمْ مِنْ الرِّزْق فِي الدُّنْيَا , وَوَهَبَ لَهُمْ مِنْ النِّعَم , وَعَرَّفَهُمْ مَوْضِع الشُّكْر , ثُمَّ جَزَاهُمْ فِي الْآخِرَة عَلَى الطَّاعَة مَا وَصَفَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ.
خامساً: قال رب العزة والجلال: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد / 29]، والمعنى: أَيْ لِيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رَدّ مَا أَعْطَاهُ اللَّه وَلَا إِعْطَاء مَا مَنَعَ اللَّه، روى الامام البخاري في صحيحه عن عَبْد اللَّه بْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول وَهُوَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر: (إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم كَمَا بَيَّنَ صَلَاة الْعَصْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس أُعْطِيَ أَهْل التَّوْرَاة التَّوْرَاة فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى اِنْتَصَفَ النَّهَار ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاة الْعَصْر ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيتُمْ الْقُرْآن فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوب الشَّمْس فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ أَهْل التَّوْرَاة رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلّ عَمَلًا وَأَكْثَر أَجْرًا قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْركُمْ مِنْ شَيْء قَالُوا لَا فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيه مَنْ أَشَاء) فِي رِوَايَة: (فَغَضِبَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَقَالُوا رَبّنَا ... ) الْحَدِيث.
سادساً: قول الله عز وجل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة / 4].
وَقَوْله: {ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: هَذَا الَّذِي فَعَلَ تَعَالَى ذِكْره مِنْ بَعْثَته فِي الْأُمِّيِّينَ مِنْ الْعَرَب , وَفِي آخَرِينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته , وَيَفْعَل سَائِر مَا وَصَفَ , فَضْل اللَّه , تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ دُون غَيْرهمْ
{يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء} أي: يُؤْتِي فَضْله ذَلِكَ مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه
عَنْ اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قوله: {ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء} قَالَ: الْفَضْل: الدِّين {وَاَللَّه ذُو الْفَضْل الْعَظِيم} يَقُول: اللَّه ذُو الْفَضْل عَلَى عِبَاده , الْمُحْسِن مِنْهُمْ وَالْمُسِيء , وَاَلَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ الرَّسُول مِنْهُمْ وَغَيْرهمْ , الْعَظِيم الَّذِي يَقِلّ فَضْل كُلّ ذِي فَضْل عِنْده