تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت حيوانُ الإنسان؛ فأما إذا كان أحد المتضايفين غير اسم جنس فالإضافة في مثله ممتنعة فلا يقال إنسانُ زيد ولهذا جُعل قولُ الناس: شهرُ رمضان عَلماً على الشهر المعروف بناء على أن لفظ رمضان خاص بالشهر المعروف لا يحتمل معنى آخر، فتعيّن أن يكون ذكر كلمة شهر معه قبيحاً لعدم الفائدة منه لولا أنه شاع حتى صار مجموع المركب الإضافي علماً على ذلك الشهر.

ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم مسجدُ الجامع، وعِشَاء الآخرة، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب فتكون الإضافة بيانية، ولم يجعلوا لها اسماً استغناء بالوصف، كما يقول المؤلفون مقدمة أو باب بلا ترجمة ثم يقولون باب جامعٌ مثلاً، ثم يضيفونه فيقولون بابُ جامععِ الصلاة. وأما إضافة فاتحة إلى الكتاب فإضافة حقيقية باعتبار أن المراد من الكتاب بقيته عدا السورة المسماة الفاتحة، كما نقول: خطبة التأليف، وديباجة التقليد.

وأما تسميتها أم القرآن وأم الكتاب فقد ثبتت في السنة، من ذلك ما في (صحيح البخاري) في كتاب الطب أن أبا سعيد الخدري رقَى ملدوغاً فجعل يقرأ عليه بأم القرآن، وفي الحديث قصة، ووجه تسميتها أم القرآن أن الأم يطلق على أصل الشيء ومنشئه، وفي الحديث الصحيح قال النبيء (صلى الله عليه وسلم) (كل صلاة لم يُقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاجٌ) أي منقوصة مَخدوجة.

وقد ذكروا لتسمية الفاتحة أمّ القرآن وجوهاً ثلاثة: أحدها: أنها مبدؤه ومفتتحه فكأنها أصله ومنشؤه، يعني أن افتتاحه الذي هو وجود أول أجزاء القرآن قد ظهر فيها فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ فيكون أم القرآن تشبيهاً بالأم التي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظهور والوجود.

الثاني: أنها تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن وهي ثلاثة أنواع: الثناء على الله ثناء جامعاً لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه عن جميع النقائص، ولإثبات تفرده بالإلاهية وإثبات البعث والجزاء وذلك من قوله: (الحمد للَّه (إلى قوله: (ملك يوم الدين (، والأوامر والنواهي من قوله: (إياك نعبد (، والوعد والوعيد من قوله: (صراط الذين (إلى آخرها، فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله، وغيرُها تكملات لها لأن القصد من القرآن إبلاغ مقاصده الأصلية وهي صلاح الدارين وذلك يحصل بالأوامر والنواهي، ولما توقفت الأوامر والنواهي على معرفة الآمِر وأَنه الله الواجب وجوده خالق الخلق لزم تحقيق معنى الصفات، ولما توقف تمام الامتثال على الرجاء في الثواب والخوف من العقاب لزم تحقق الوعد والوعيد. والفاتحة مشتملة على هاته الأنواع فإن قوله: (الحمدللَّه (إلى قوله: (يوم الدين (حمد وثناء، وقوله: (إياك نعبد (إلى قوله: (المستقيم (من نوع الأوامر والنواهي، وقوله: (صراط الذين (إلى آخرها من نوع الوعد والوعيد مع أن ذكر) المغضوب عليهم والضالين (يشير أيضاً إلى نوع قصص القرآن، وقد يؤيد هذا الوجه بما ورد في الصحيح في: (قل هو الله أحد ((الإخلاص: 1) أنها تعْدِل ثُلُثَ القرآن لأن ألفاظها كلها أثناء على الله تعالى.

الثالث: أنها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحِكَم النظرية والأحكام العملية

فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أَحكام يقصد منها العمل بها، فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوءات والمواعظ والأَمثال والحِكَم والقَصص، والأحكامُ إما عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات، وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة، وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام ف) الحمد للَّه (يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى بناء على ما تدل عليه جملة) الحمد للَّه (من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي و) رب العالمين (يشمل سائر صفات الأفعال والتكوين عند من أثبتها، و) الرحمن الرحيم (يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين و) ملك يوم الدين (يشمل أحوال القيامة، و) إياك نعبد (يجمع معنى الديانة والشريعة، و) إياك نستعين (يجمع معنى الإخلاص لله في الأعمال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير