الليث بن سعد: يخرجون في الفطر والأضحى من الغد
قلت: والقول بالخروج إن شاء الله أصح للسنة الثابتة في ذلك ولا يمتنع أن يستثنى الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس] صحح أبو محمد قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري و الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق و ابن المبارك وروي عن عمر أنه فعله
قلت: وقد قال علماؤنا: من ضاق عليه الوقت وصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما بعد طلوع الشمس إن شاء الله وقيل: لا يصليهما حينئذ ثم إذا قلنا: يصليهما فهل ما يفعله قضاء أو ركعتان ينوب له ثوابهما عن ثواب ركعتي الفجر قال الشيخ أبو بكر: وهذا الجاري على أصل المذهب وذكر القضاء تجوز
قلت: ولا يبعد أن يكون حكم صلاة الفطر في اليوم الثاني على هذا الأصل لا سيما مع كونها مرة واحدة في السنة مع ما ثبت من السنة روى النسائي قال: اخبرني عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثني أبو بشر عن ابي عمير بن أنس عن عمومة له:
أن قوما رأوا الهلال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعدما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد وفي رواية: ويخرجوا لمصلاهم من الغد
الثامنة عشرة: قرأ ابو بكر عن عاصم وأبو عمرو ـ في بعض ما روي عنه ـ و الحسن و قتادة و الأعرج {ولتكملوا العدة} بالتشديد والباقون بالتخفيف واختار الكسائي التخفيف كقوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال النحاس: وهما لغتان بمعنى واحد كما قال عز وجل: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا} ولا يجوز ولتكملوا بإسكان اللام والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير: ويريد لأن تكملوا ولا يجوز حذف أن والكسرة وهذا قول البصرين ونحوه قول كثير أبو صخر:
(اريد لأنسى ذكرها)
أي لأن أنسى وهذه اللام هي الداخلة على المفعول كالتي في قولك: ضربت لزيد المعنى ويريد إكمال العدة وقيل: هي متعلقة بفعل مضمر بعد تقديره: ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة وهذا قول الكوفيين وحكاه النحاس عن الفراء قال النحاس: وهذا قول حسن ومثله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} أي وليكون من الموقنين فعلنا ذلك وقيل: الواو مقحمة وقيل: يحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السري: هو محمول على المعنى والتقدير: فعل الله ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا العدة قال: ومثله ما أنشده سيبويه:
(بادت وغير آيهن مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباء)
(ومشجج أما سواء قذاله ... فبدا وغيب ساره المعزاء)
شادة يشيده شيدا جصصه لأن معناه بادت إلارواكد بها رواكد فكأنه قال: وبها مشجج أو ثم مشجج
التاسعة عشرة: قوله تعالى: {ولتكبروا الله} عطف عليه ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل واختلف الناس في حده فقال الشافعي: روي عن سعيد بن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون قال: وتشبه ليلة النحر بها وقال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا وروي عنه: يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره وقال قوم: يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة وقال سفيان: هو التكبير يوم الفطر زيد بن اسلم: يكبرون إذا خرجوا إلى المصلى فإذا انقضت الصلاة انقضى العبد وهذا مذهب مالك قال مالك: هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام وروى ابن القاسم وعلي بن زياد: أنه إن خرج قبل طلوع الشمس فلا يكبر في طريقه ولا جلوسه حتى تطلع الشمس وإن غدا بعد الطلوع فليكبر في طريقه إلى المصلى وإذا جلس حتى يخرج الإمام والفطر والأضحى في ذلك سواء عند مالك وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر والدليل عليه قوله تعالى: {ولتكبروا الله} ولأن هذا يوم عيد لا يتكرر في العام فسن التكبير في الخروج إليه كالأضحى وروى الدار قطني عن ابي عبد الرحمن السلمي قال كانوا في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى وروي عن ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى وروي عن ابن عمر: أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإمام وأكثر أهل العلم على التكبير في عيد الفطر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم فيما ذكر ابن المنذر قال: وحكى ذلك الأوزاعي عن إلياس وكان الشافعي يقول إذا رأى هلال شوال: احببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى ولا يزالون يكبرون ويظهرون التكبير حتى يغدوا إلى المصلى وحين يخرج الإمام إلى الصلاة وكذلك أحب ليلة الأضحى لمن لم يحج وسيأتي حكم صلاة العيدين والتكبير فيهما في {سبح اسم ربك الأعلى} و الكوثر إن شاء الله تعالى
الموفية عشرين: ولفظ التكبير عند مالك وجماعة من العلماء: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا وروي عن جابر بن عبد الله ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح أثناء التكبير ومنهم من يقول: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وكان ابن المبارك يقول إذا خرج من يوم الفطر: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا قال ابن المنذر: وكان مالك لا يحد فيه حدا وقال أحمد: هو واسع قال ابن العربي: واختار علماؤنا التكبير المطلق وهو ظاهر القرآن وإليه أميل
الحادية والعشرون: قوله تعالى: {على ما هداكم} قيل: لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم وقيل: بدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء والتظاهر بالأحساب وتعديد المناقب وقيل: لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع فهو عام وتقدم معنى {ولعلكم تشكرون}
¥