ثناؤه في آي كتابه فيما أمر ونهى على العموم ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له وأنه إذا خص منه شيء فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر وسائر حكم الآية على ظاهرها العام ويؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه وقد زعم بعض من عظمت جهالته واشتدت حيرته أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك كما خصت عصا موسى في معناها فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا لسهل عليه ما استصعب من القول وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ويتعبدهم بعبادة ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به حتى يسألوا بيان ذلك لهم فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض فتعوذ بالله من الحيرة ونسأله التوفيق والهداية «.
وأما الأخبار، فالظاهر أنها كالأحكام في العموم، لذا نشأ عند ابن جرير الطبري (ت: 310) قاعدة: الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصصه، وهذه القاعدة من أكثر القواعد التي اعتمدها الطبري (ت: 310) في ترجيحاته بين الأقوال.
ومن أمثلة ترجيحاته المعتمدة على العموم:
في قوله تعالى: ?وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ?] الذاريات: 22 [.
ذكر في معنى» وما توعدون «قولين عن السلف:
الأول: الخير والشر.
والثاني: الجنة والنار.
ثمَّ قال:» وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي القول الذي قاله مجاهد لأن الله عَمَّ الخَبَرَ بقوله: ?وما توعدون? عن كل ما وعدنا من خير أو شر، ولم يخصص بذلك بعضا دون بعض، فهو على عمومه كما عمَّه الله جل ثناؤه «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (26: 206).
ومبحث العموم في أخبار الله، وترجيحات الطبري (ت: 310) من المباحث التي تصلح للترقية، وفيه فوائد لطيفة، منها:
معرفة الكمية التي حكم الطبري (ت: 310) فيها بالعموم.
معرفة العلل الموجبة للخصوص عند الطبري (ت: 310).
تطبيقات بعض العلل التي توجب التخصيص عند الطبري (ت: 310). إلى غير ذلك.
فائدة: لم يرد عن السلف مصطلح العموم والإطلاق المقابلان للتخصيص والتقييد، وهذان المصطلحان من تقييدات المتأخرين، بل كانت عباراتهم على عادتهم مؤدية للمعنى المراد دون التحديد بهذه المصطلحات، ولذا ورد عنهم في تفسير قصة البقرة عبارات متقاربة في أنهم لو أخذوا بقرة ما كانت لأجزأت عنهم.
المسألة الثانية: أن الأسباب لا تُخصِّص الألفاظ العامة، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذه مسألة مشهورة مذكورة عند الأصوليين وغيرهم، لكن تطبيقاتها الكثيرة متناثرة في كتب التفسير، وهي صالحة بمفردها لأن تكون بحثًا مستقلاً، يُحرَّر فيها ما يتعلق بهذه القاعدة وما فيها من تطبيقات، ويناقش فيها ـ كذلك ـ القول القائل: العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، والبحث في من قال به من العلماء، وثمرة الخلاف وأثره على التفسير، كل ذلك يكون من خلال التطبيقات الموجودة في التفسير.
ومن المفسرين الذين نصَّوا على قاعدة (العبرة بعموم اللفظ) الطبري (ت: 310):، قال:» ... مع أن الآية تنْزل في معنى فَتَعُمُّ ما نزلت به فيه وغيره فيلزم حكمها جميع ما عمته لما قد بينا من القول في العموم والخصوص في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام «. تفسير الطبري، ط: الحلبي (5: 9).
ويدخل في هذا المعنى ما يشمل المراد بالمعنى الذي قد يعبر عنه بعض السلف بالنُّزول، كالوارد في تفسير قوله تعالى: ?إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ? ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ?] الزمر: 30 ـ 31 [.
فقد ورد أنها في اختصام المؤمنين والكافرين والمظلوم والظالم.
وورد عن ابن عمر قال: نزلت علينا هذه الآية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة فقلنا هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
¥