تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القرآن معجز للجن والإنس جميعا؛ بل معجز لكل المخلوقات، لأنه كلام الله جل وعلا، وكلام الله جل وعلا لا يشبه كلام الخلق، وكون القرآن معجزا،راجع إلى أشياء كثيرة يأتي فيها البيان.

فاختلف الناس في وجه الإعجاز لأجل أنّ إعجاز القرآن دليل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام علي أقوال:

القول الأول: ذهب إليه طائفة من المعتزلة ومن غيرهم حتى من المعاصرين الذين تأثروا بالمدرسة العقلية في الصفات والكلام، قالوا:

إنّ الإعجاز في القرآن إنما هو بصرف البشر عن معارضته، وإلا فالعرب قادرة على معارضته في الأصل؛ لكنهم صُرفوا عن معارضته، فهذا الصرف هو قدرة الله جل وعلا، لا يمكن للنبي عليه الصلاة والسلام أن يصرفهم جميعا عن معارضته، وهذا الصرف لابد أن يكون من قوة تملك هؤلاء جميعا وهي قوة الله جل وعلا.

وهذا القول هو القول المشهور الذي ينسب للنّظّام وجماعة بما هو معلوم.

وهذا القول يرده أشياء نقتصر منها على دليلين: الدليل الأول سمعي نقلي، والدليل الثاني عقلي.

أما الدليل النقلي فهو قول الله جل وعلا " قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " [الإسراء:88]، فالله جل وعلا أثبت أنّ الإنس والجن لو اجتمعت على أن تأتي بمثل هذا القرآن وصار بعضهم لبعض معينا في الإتيان بمثل هذا القرآن أنهم لن يأتوا بمثله، وهذا إثبات لقدرتهم على ذلك؛ لأنّ اجتماعهم مع سلب القدرة عنهم بمنزلة اجتماع الأموات لتحصيل شيء من الأشياء، فالله جل وعلا بيّن أنهم لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وكان بعضهم لبعض معينا وظهيرا على المعارضة، فإنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فأثبت لهم القدرة لو اجتمعوا قادرين وبعضهم لبعض يعين، لكنهم سيعجزون عن قُدَرِهم التي ستجتمع وسيكون بعضهم لبعض معينا على المعارضة، وهذه الآية هي التي احتج بها المعتزلة على إعجاز القرآن، ففيها الدليل ضدهم على بطلان الصَّرفة.

أما الدليل الثاني وهو الدليل العقلي أن الأمة أجمعت من جميع الفرق والمذاهب أن الإعجاز يُنسب ويضاف إلى القرآن ولا يضاف إلى الله جل وعلا، فلا يقال إعجاز الله بالقرآن، وإنما يقال باتفاق الجميع وبلا خلاف هو إعجاز القرآن، فإضافة الإعجاز إلى القرآن تدل على أن القرآن معجز في نفسه، وليس الإعجاز من الله بصفة القدرة؛ لأننا لو قلنا الإعجاز إعجاز الله بقدرته الناس عن الإتيان بمثل هذا القرآن، فيكون الإعجاز بأمر خارج عن القرآن، فلما أجمعت الأمة من جميع الفئات والمذاهب على أنّ الإعجاز وصف للقرآن علمنا بُطلان كون الإعجاز صفة لقدرة الله جل وعلا؛ لأن من قال بالصَّرفة بأن الله سلبهم القدرة أرجع الإعجاز إلى صفة القدرة وهذه صفة ربوبية.

إذن لا يكون القرآن معجزا في نفسه، وإنما تكون المعجزة في قدرة الله جل وعلا على ذلك، وهذا لاشك أنه دليل قوي في إبطال قول هؤلاء.

ولهذا فإن متأخري المعتزلة على خلاف قول المتقدمين في الإعجاز بالصرفة؛ لأن قولهم لا يستقيم لا نقلا ولا عقلا.

القول الثاني: قول من قال القرآن معجز بألفاظه، فألفاظ القرآن بلغت المنتهى في الفصاحة؛ لأنّ البلاغيين يعرِّفون الفصاحة:

فصاحة المفرد في سلامته من نُفرة فيه ومن غرابته

فالقرآن مشتمل على أعلى الفصيح في اللفظ، ولما تأمل أصحاب هذا القول جميع أقوال العرب في خطبهم وأشعارهم، وجدوا أن كلام المتكلم لابد أن يشتمل على لفظ داني في الفصاحة، ولا يستقيم في كلام أي أحد -في المعلقات وفي خطب العرب ولا في نثرهم ولا في مراسلاتهم إلى آخره- لا يستقيم أن يكون كلامهم دائما في أعلى الفصاحة، فنظروا إلى هذه الجهة فقالوا الفصاحة هي دليل إعجاز القرآن لأن العرب عاجزون.

وهذا ليس بجيد؛ لأن القرآن اسم للألفاظ والمعاني، والله جل وعلا تحدى أن يؤتى بمثل هذا القرآن، أو بمثل عشر سور مثله مفتريات -كما زعموا- وهذه المثلية إنما هي باللفظ وبالمعنى جميعا وبصورة الكلام المتركبة.

فإذن كونه معجزا بألفاظه نعم؛ لكن ليس وجه الإعجاز الألفاظ وحدها.

القول الثالث: من قال إنّ الإعجاز في المعاني وأما الألفاظ فهي على قارعة الطريق، مثلما يقول الجاحظ وغيرُه؛ فيما ساقه في كتاب الحيوان أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير