إذا تبيّن هذا فليعلم أن كلام الله جل وعلا في كونه لا يشبه كلام البشر له خصائص، فأوجه إعجاز القرآن التي ذكرها من ذكر، هي خصائص لكلام الله جل وعلا أوجبت أن يكون كلام الله جل وعلا ليس ككلام البشر.
وللمقال صلة .............
إعجاز القرآن (3)
وهذه الخصائص:
أولا: القرآن كلام الله جل وعلا، واشتمل القرآن على ألفاظ العرب جميعا، تجد في القرآن كلمات بلغة قريش، وفيه كلمات بلغة هذيل، وفيه كلمات بلغة تميم، وفيه كلمات بلغة هوازن، وفيه كلمات بلغة أهل اليمن، وفيه بلغات كثيرة بلغة حِمْيَر:
" وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ " [النجم:61] قال ابن عباس: السمود الغناء بلغة حِمْيَر.
بعض قريش خفي عليها بعض الكلمات مثل ما قال عمر رضي الله عنه لما تلا سورة النحل في يوم الجمعة -يعني في الخطبة-، تلا سورة النحل فوقف عند قوله تعالى: "أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " [النحل:47]، نظر فقال: ما التخوف؟ فسكت الحاضرون، فقام رجل من هذيل فقال: يا أمير المؤمنين التخوّف في لغتنا التَّنَقُّص قال شاعرنا الهذلي:
تخوّف الرَّحْلُ منها تامكا فردا كما تَخَوَّف عودُ النّبعة السَّفِنُ
إذا" الألفاظ والمعاني والتراكيب النحوية تنوَّعت ودخلت في القرآن، هذا لا يمكن أن يكون من كلام أحد، لا يمكن أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خلق الخلق وهو رب العالمين.
ثانيا: الألفاظ، فألفاظ القرآن بلغت الغاية العليا في الفصاحة، والقرآن كله فصيح في ألفاظه، والفصاحة راجعة إلى الكلمات جميعا؛ الأسماء والأفعال والحروف.
فمن خصائص القرآن التي دلت على إعجازه أنّ ألفاظه جميعا فصيحة، وما استطاع أحد -من العرب الذين أنزل عليهم القرآن- أن يعيبوا القرآن في لفظٍ مما فيه كما عابوا كلام بعضهم بعضا، بل قال قائلهم: إن له لحلاوة وإن عليه لطُلاوة ................................. إلى آخر كلامه.
ثالثا: المعاني، المعاني التي يتصورها البشر عند قول كلامه لابد أن يكون فيها قصور، فإذا تكلم البشر في المعاني العَقدية فلابد أن يكون عنده لاشك قصور، إذا تكلم في العاني التشريعية لابد أن يظهر خلل، إذا تكلم في المعاني الإصلاحية التهذيبية لابد أن يكون فيها خلل، ولهذا قال جل وعلا " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " [النساء:82].
فتنوُّع المعاني على هذا الوجه الذي يحتاجُه الناس يدلُّ على أن هذا كلام الله جل وعلا.
رابعا: النَّظم ـ مثل ما قال الجرجاني ـ وهو من أجود ماقيل في إعجاز القرآن من جهة البيان
فالقرآن من أوجه إعجازه: أن نظمه يدل على أنه الغاية في البيان، ولا يمكن للجن والإنس لو اجتمعوا أن يكونوا علي مستوى هذا النّظم، ولهذا تجد أن تفاسير القرآن حارت في القرآن، حتى التفاسير المتخصصة في النحو تجده ينشط في أوله ويعجز في آخره، وهكذا في البلاغة وغيرها ................... 0
خامسا: أنَّ القرآن له سلطانٌ على النفوس، وليس ثَمَّ من كلام البشر ما له سلطان على النفوس في كل الكلام.
وقد كان مرة أحد الدّعاة يخطب بالعربية وفي أثناء خطبته يورد آيات من القرآن العظيم يتلوها، فكانت امرأة كافرة لا تحسن الكلام العربي ولا تعرفه، فلما انتهى الخطيب من خطبته استوقفته -وكانت خطبته في سفينة-، لما انتهى من خطبته استوقفته، وقالت: كلامك له نمط، وتأتي في كلامك بكلمات مختلفة في رنتها وفي قَرْعِهَا للأذن عن بقية كلامك، فما هذه الكلمات؟ فقال: هي كلمات القرآن.
هذا السلطان تجده في أشياء:
1ـ أن آيات القرآن في السورة الواحدة -كما هو معلوم- متنوعة فهناك آيات العقيدة، وآيات الأحكام، وآيات السلوك ....... إلى آخره، فآية تخاطب المؤمنين، وآية تخاطب المنافقين، وآية تخاطب النفس، وآية فيها قصص الماضين، وآية فيها الوعد وآية فيها الوعيد، وآية فيها ذكر الجنة وذكر النار، وهكذا في تنوع.
¥