وبتأمُّلِ هذه الإضافة يظهر أن أمامك تفسير جديد، أي بيان معانٍ جديدة للقرآن من طريق موضوعاته.
لكن حينما تكشف عن ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي ستجدُ أنها ترجِع إلى فوائد واستنباطات، وليس فيها بيان معني جديدة لآيات القرآن، وعلى هذا فنسبتها للتفسير غير دقيقة. بل الصحيح أنها (موضوعات قرآنية)، وهذا العنوان أدق من تسمية هذا اللون بالتفسير الموضوعي.
وما ذكرته لك هنا أرجو أن لا تتعجَّل بردِّه قبل أن تحدِّدَ معنى التفسير، وأن تطَّلِع على الإضافة التي أضافها من كتب في موضوع من الموضوعات باسم التفسير الموضوعي، ولك أن تتأمل إضافته، هل هي من باب التفسير، أو من باب الفوائد والاستنباطات؟
وحقيقة التفسير الموضوعي كما يأتي:
1 ـ جمع متفرق من الآيات التي تتحدث عن موضوعٍ أو لفظة أو جملة [يخرج عن هذا دراسة موضوع من خلال سورة]
2 ـ دراسة هذا المجموع بعد تبويبه
3 ـ استنتاج الفوائد، واستخلاص الهدايات والعِبَر من هذا المجموع.
ثانيًا: إن التفسير الموضوعي (بأنواعه الثلاثة) يُدرس من خلال القرآن، فهو بحث قرآني بحت، ولكن الملاحظ في دراسة الموضوع من خلال القرآن أن كثيرًا من الموضوعات لا يمكن بحثها من خلال القرآن فقط؛ لأنَّ صورة الموضوع لا تتمُّ بالنظر إلى القرآن فقط، بل لابدَّ من إضافة السنة وآثار السلف لبيان هذا الموضوع.
وعند تأمُّلِ بعض الموضوعات تجد أنها على ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يمكن بحثه من خلال القرآن؛ لغزارة مادته، كإهلاك الأمم الكافرة من خلال القرآن.
الثاني: قسم لا يمكن بحثه من خلال القرآن لقلة مادته في القرآن؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الأسر وأحكامه، إذ الحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الأسير في القرآن قليل، وهو في السنة أكثر.
الثالث: قسم تكثر مادته في القرآن وفي السنة، ويكون في تخصيص دراسته في القرآن فقط قصور في تصوُّرِ الموضوع بشمولية، كموضوع العلم، وموضوع الجهاد، وغيرها كثير.
وقد يقول قائل: إن الغرض من دراسة الموضوع من خلال القرآن طرح طريقة القرآن فقط؟
فالجواب: ثُمَّ ماذا، أليس الباحث سيبني أحكامًا وفوائد؟
فإذا كان كذلك فلابدَّ أن يحتاج إلى مصادر أخرى في بحثه، ومن أهمها السنة النبوية، وإلا كان بحثًا ناقصًا بلا ريب.
ثالثًا: منْزلة السنة وأقوال السلف في التفسير الموضوعي:
لقد أثَّر عنوان هذا اللون، وهو التفسير الموضوعي على التعامل مع أهم مصدرين من مصادر التفسير، وإذا تأملت ما سطَّره منظرو التفسير الموضوعي، وجدتهم لا يمكن أن ينفكوا عن السنة أو آثار السلف، لكن ما مقامهما، وكيف بتعاملون معهما؟
أما السنة، فقد جعلوها شارحة للقرآن، ولا يصحُّ أن يُنشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة.
وهذا التقييد من جهة الافتراض صحيح، لكنه سيُفقِد البحث في الموضوعات كثيرًا من الأمور المهمة بسبب الاقتصار على القرآن وحده، ولو رحتُ أضرب لك الأمثلة في ذلك لغدت كثيرةً لا حصر لها، ولأمثِّل لك بمثال واحدٍ يكون نبراسًا لغيره.
لو بحثت موضوع الصلاة، وقلت (الصلاة في القرآن) فإنك لا تستطيع أن تتحدَّث عن موضوع مهمٍّ في الصلاة، وهو زمن فرضية الصلوات الخمس ومكان ذلك الفرض؛ لأنك لا تجدُ في القرآن ما يشير إلى ذلك البتة. ومن ثَمَّ فأنك لو جعلت من عناصر بحثك: (مكان فرض الصلاة) لكان خطأً عند أصحاب التفسير الموضوعي؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى هذا الموضوع، والعناوين لابدَّ أن تكون مستوحاة من الآيات لا من غيرها.
ولقد ساق الاقتصار على دراسة الموضوع من خلال القرآن إلى خلل في التعبير يظهر من لوازمه أن الاعتماد على القرآن وحده يكفي في تصور موضوع من الموضوعات الإسلامية، يقول أحدهم: (إننا إذا أردنا أن نبني المجتمع المسلم، فيجب أن نقيمه على الأسس والأصول القرآنية. وأكثر الشعوب قد انحرفت ـ من حيث لا تدري ـ عن هذه الأسس والأصول في أكثر مجالات الحياة. ولن تتحقق لها السعادة إلا برجوعها إلى تلك الأسس والأصول التي بات الناس في غفلة عنها بقصد أو بغير قصد.
¥