تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما اعتماده على أن قريشا لم تسع في خراب الكعبة فأي خراب أعظم مما فعلوا أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم كما قال تعالى: (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون)، وقال تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)، وقال تعالى: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما).

فقال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله)، فإذا كان من هو كذلك مطرودا منها مصدودا عنها فأي خراب لها أعظم من ذلك وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ورفعها عن الدنس والشرك)).

فيه مسائل:

الأولى: اعتماد ابن جرير على الآثار والواقع والسياق في ترجيح ما ذهب إليه، فحجته الأولى الآثار التي حكاها عن الجمهور، وهي التي يشهد له الواقع التاريخي، وذلك أنه قد وقع لبيت المقدس خرابٌ ومنع من الصلاة.

والحجة الثانية السياق، حيث إن الآيات قبلها في أهل الكتاب، ولم يجر للعرب ذكر فتصرف الآية إليهم.

وكون الآية تصدق على العرب لا يعني أنها نزلت بشأنهم أولاً، وهذا الذي يريده الإمام رحمه الله، والذي يدل على ذلك أنه قال في آخر كلامه: ((وذلك أن الله جل ذكره إنما ذكر ظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد، وإن كان قد دل بعموم قوله: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) أن كل مانع مصليًا في مسجد لله فرضا كانت صلاته فيه أو تطوعا وكل ساع في إخرابه فهو من المعتدين الظالمين)).

وهذا يعني أنه يرى إدخال العرب وغيرهم ممن يصدق عليهم هذا الوصف، ولكن تحريره هنا رحمه الله: من المَعْنِيِّ بالآية أولاً.

أما ابن كثير فعكس المسألة، وجعل دخول النصارى في معنى الآية محتملاً لأجل العموم، قال: ((قلت وهذا لا ينفي أن يكون داخلا في معنى عموم الآية فإن النصارى لما ظلموا بيت المقدس بامتهان الصخرة التي كانت تصلى إليها اليهود عوقبوا شرعا وقدرا بالذلة فيه إلا في أحيان من الدهر أشحن بهم بيت المقدس وكذلك اليهود لما عصوا الله فيه أيضا أعظم من عصيان النصارى كانت عقوبتهم أعظم والله أعلم)).

وصارت المسألة هنا: من المَعْنِيِّ بالآية أولاً مع اتفاقهما رحمهما الله على تعميم الآية، ولا شكَّ أن السياق يدل على ما قاله ابن جرير رحمه الله تعالى.

الثانية: الذي يظهر من كلام ابن كثير الدمشقي (ت: 884) أنه لم يعرِّج على الحجة الثانية، وهي السياق، ويبدو أن سبب ذلك طول كلام ابن جرير، وأنه أخَّر هذه الحجة، فقرأ أول الاحتجاج ولم يتنبه لها، والله أعلم، إذ لو انتبها لها لردَّها، كما ردَّ الأولى. (ينظر تعليق محمود شاكر على هذه الآية / 2: 523).

الثالثة: إن من يقرأ كلام ابن جرير في هذا الموضع وفي غيره يحسن به ألا يتعجَّل في فهم عبارة ابن جرير حتى يقرأه بعناية؛ نظرًا لأمور، منها:

1 ـ طول الفصل في الجمل.

2 ـ طول الاحتجاج، كما هو الحال هنا.

3 ـ وصفه للقول الذي يخالفه وبيان حججه، وقد يشوبه طول أيضًا، ثم يكرُّ إلى القول الذي يراه صوابًا فيبيِّن حججه له، ومن عباراته في هذا الباب قوله ـ بعد كلام طويل في خبر رواه السدي عن أشياخه عند قوله تعالى ((أتجعل فيها من يفسد فيها ـ: (وهذا الذي ذكرناه هو صفة مِنَّا لتأويل الخبر، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية).

وهذا الاستدراك منه في محلِّه؛ لأنَّ طول كلامه قد يقطع المرء عن إتمامه، فيظن أن ابن جرير يرجح هذا القول، ولكن الأمر ليس كذلك.

وأخيرًا، فإن أثر الاعتماد على السياق يظهر جليًّا عند ابن جرير الطبري، وقد استعمل دلالة السياق استعمالاً واسعًا، وبرز عنده في مجالات متعددة، وقد كتب فيه الأخ الفاضل عبد الحكيم القاسم ـ وفقه الله ـ المحاضر بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض رسالة علمية نال بها درجة الماجستير.

وسيأتي إن شاء الله بعض القضايا السياقية عند ابن جرير، والله الموفق.


الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
[email protected]
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1180
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير