تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إليه من غيره - من سمةٍ أسلوبية قصد إليها تضمناً لتحقيق ملمحٍ خاصٍ ما كان ليحقق لولا هذا العدول وعليه فأن الأسلوب الأفضل في تحليل مثل هذا التركيب هو الإشارة إلى القصدية المشتركة كما يُتعامل معها نحوياً مما يحقق تكاملاً على نطاق التوحيد المُتَحَدَّث عنه هنا على اعتبار إرادة الدوام والثبات والملازمة باعتبار اسمية التركيب، والتجدّد باعتبار فعلية المفردة، وهذه هي الغاية القصوى في الإيجاز الذي يمثل الصورة الأوضح للإعجاز.

وقد وجدت (العسكري) قد ألمح إلى قريب هذا إذ قال بالاشتراك لما فرق بين (لا يغفر أن يشرك به) وبين (لا يغفر الشرك به) من جهة أن المصدر لا يدلُّ على زمانٍ وأن يفعل (أي الفعل) يدلّ على زمانٍ ففي قولك (إنّ) مع (الفعل) زيادة ليست في الفعل (22).

ولعل من نافلة القول بعد نقل ما قال العسكري أن أقول: إن هذا التفنن في الأسلوب ليس بالغريب عن القرآن فقد جاء مثل هذا في قوله تعالى: (الذين هم على صلواتهم يحافظون) (المعارج: 22) وقوله تعالى: (الذين هم على صلاتهم دائمون) (المؤمنون: 9) فعبَّر مرّة بالفعل ومرة بالاسم؛ لقصد المعنيين، ولن يبقى من هذا التعجب لهذا الأسلوب لدقة التعبير مثل ما سيكون عند دراسة التقابل في استخدام هذا الأسلوب مما يحقق التقابل الدلالي في الاستخدام كما في النقطة التالية.

5 - التقابل الدلالي في الاستخدام:

قال تعالى: (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابدٌ ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين) (الكافرون) فقد قابل تعالى في نفيه العبادة بين رسوله (صلى الله عليه وسلم) وبين المشركين بين أربع جمل، نفى في اثنين منها عبادة ما يعبدون عن رسوله (صلى الله عليه وسلم) بالصيغة الفعلية (لا أعبد ما تعبدون) والاسمية (ولا أنا عابد ما عبدتم) وبالفعلين المضارع (تعبدون) والماضي (عبدتم)، في حين نفى العبادة الحقة عن الكافرين بصيغة واحدة مرتين هي الصيغة الاسمية (ولا أنتم عابدون ما أعبد)، وبهذا التناسق البديع تحقق الكمال في عبادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) (23)، فقوله: (لا أعبد ما تعبدون) من الآلهة والأوثان الآن، وقوله: (ولا أنا عابد) ذلك فيما استقبل (24)، ولو اقتصر على الفعل لكان الأمر حادثاً قد يزول ولو اقتصر على الاسم؛ لقيل: إنَّ الوصف قد يُفارق صاحبه أحياناً بل معناه أنّه على غالب الحال فالحليم قد يغضب … وبذلك دلت الصيغة الفعلية على الحدوث الدائم والاسمية على الثبات، وجيء بالمضارع والماضي لاستغراق الماضي والحال والاستقبال ليُعْلَمَ بذلك براءته في كل حالٍ وزمان (25)، فيكون بالفعل قد نفى الفعلَ، وبالاسم قد نفى قبولَه لذلك بالكلية؛ لأنّ النفي بالاسمية آكد فكأنه نفى الفعل وكونه قابلاً لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضاً (26).

في حين وصف الكفار بالصيغة الاسمية في النفي فقط لما في أمرهم من الثبات على عبادة ما دون الله تعالى فنفى عنهم عبادة الله تعالى على وجه الثبات (27) فيما يستقبلون أبداً وإنما قيل ذلك لأن الخطاب من الله لرسوله في أشخاص بأعينهم من المشركين قد علم بأنهم لا يؤمنون أبداً وسبق لهم ذلك في السابق من علمه فأمر نبيه أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه وحدثوا به أنفسهم وآيس نبي الله (صلى الله عليه وسلم) من الطمع في إيمانهم ... (28).

ومن ذلك قوله تعالى: (أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ... أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون .. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون .. أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن. .) (الواقعة: 59 - 72) فالاستفهام هنا إنكاري وكل ما سئل عنه مضافاً إلى البشر جاء على صيغة الفعل (تخلقونه، تزرعونه، أنزلتموه، أنشأتم) وفي المقابل جاء الفعل منسوباً إلى الله تعالى بصيغة الاسم (الخالقون، الزارعون، المنزلون، المنشؤون) فيكون بذلك قد نفى عنهم كل هذه الأفعال في كل وقت وأثبتها لنفسه بصيغة الاسم، وأسلوب التقابل من أروع الأساليب التي تُنبيء عن دقةٍ في الاستخدام ما بعدها دقة قال تعالى: (فيهما عينان تجريان ... فيهما عينان نضاختان) (الرحمن: 50، 66) وهذا من أروع التقابل فقد عبر بالفعل عن الجريان وفي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير