تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: فزادوه ورحمة الله)). صحيح مسلم ج: 4 ص: 2183.

يقول الله لآدم: فإنها تحيتك وتحية ذريتك، وأنت ترى أن السلام باقٍ في أصحاب الديانات السماوية.

وأنت تعلم أن السلام اسم من أسماء الله، كما ورد في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)

وإليك بعض الأمثلة.

1 ـ راجع في القرآن تحية الله لأوليائه، وتحية الملائكة للأنبياء، والتحية التي يتلقى بها الملائكة المؤمنين يوم القيامة، ومن أمثلتها:

قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يس:58).

قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (هود:69).

قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 23 ـ 24).

قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32).

وكل هذا راجع إلى معنى اسم السلام سبحانه، وهو أثر من آثاره، فهو الذي يسلِّم على عبادة بالقول، ويسلِّمهم من الشرور.

وإذا أخذت بعين الاعتبار أن الأسماء لا تتغير بتغير اللغة التي نُقِل إليها، وإنما قد يحدث لها بعض التحوير الذي يتناسب مع لهجة اللغة التي انتقل إليها الاسم = ظهر لك أنَّ أسماء الله ثابتة له منذ الأزل، وأنه قد نطق بها الملائكة وآدم في السماء، فالله والرحمن والسلام قد وردت في هذه الآثار، مما يُستنتج منه أنها هكذا كانت تُنطق في ذلك الحين، وليس هناك ما يدل على سوى ذلك، خصوصًا إذا أضفت ما ورد من اشتقاق الرِّحِم من اسم الرحمن.

2 ـ من أسماء أنبياء بني إسرائيل (سليمان عليه السلام)، وفيه معنى السلام، وهو مأخوذ من مادة (سلم)، وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس (ص: 481) ما نصه: ((سليمان: اسم عبري معناه: رجل سلام). وارجع إلى تحليل أكثر لهذا الاسم في كتاب العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن لرؤوف أبو سعدة (2: 159 وما بعدها) = تجد وضوح عربية هذا الاسم، وأنه جاء على صيغة العربية المنطوق بها آنذاك.

3 ـ ورد في صحيح مسلم في قصة موسى مع الخضر ما نصُّه: (( ... قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى.

فقال له الخضر: أنَّى بأرضك السلام.

قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل)) (صحيح مسلم ج: 4 ص: 1848). وهذا يدخل في تفسير قول الله لآدم: (فإنها تحيتك وتحية ذريتك)، والسلام ـ فيما يظهر ـ مما بقي عند أصحاب الديانات السماوية، كما ذكرت لك سابقًا.

أقول هذا من باب الاحتمال والظنِّ والله أعلم.

4 ـ لازال اليهود إلى اليوم يقولون (شالوم) بمعنى السلام، وهم يُشيِّنون السين (أي: يجعلون السين شينًا).

ومن باب الاستطراد أيضًا تجد أحبارهم وقساوسة النصارى يقولون في خاتمة دعائهم (آمين) إلى اليوم، فمن أخذ من مَنْ إلا أن تكون اللغة بينهم واحدة المصدر.

وإنني أدعو إلى بحث فكرة الاشتقاق عند مفسري السلف واللغويين، فإنه سيظهر بجمع المواد التي حُكي فيها الاشتقاق فوائد جمَّة، قد تدلنا على خيوطٍ في أصول العربية القديمة تلك اللغة الشريفة التي مرَّت بعصور من التطور والتحوُّر، لكنها لم تتغير في أصولها الاشتقاقية.

وإني أُدرِك أن بعض الاشتقاقات التي ذكرها مفسرو السلف قد يُعترضُ عليها وتُضعَّف، بل قد يحكم بعضهم على بعض هذه التحليلات الاشتقاقية بالسذاجة، لكن النظر هنا إلى وجود أصل هذه الفكرة، ووردها عندهم، وإدراكهم لها، ومن الأمثلة على هذه الاشتقاقات عند المفسرين:

1 ـ عن أبي العالية قال: ((إنما سمي العِجْل لأنهم عجلوا، فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى)) (تفسير الطبري ط: الحلبي 1: 283).

2 ـ قال مقاتل: ((تفسير آدم عليه السلام لأنه خلق من أديم الأرض، وتفسير حواء لأنها خلقت من حي، وتفسير نوح لأنه ناح على قومه، وتفسير إبراهيم: أبو الأمم، ويقال: أب رحيم، وتفسير إسحاق لضحك سارة، ويعقوب، لأنه خرج من بطن أمه قابضًا على عقب العيص، وتفسير يوسف زيادة في الحسن، وتفسير يحيى: أحيي من بين ميتين؛ لأنه خرج من بين شيخ كبير وعجوز عاقر صلى الله عليهم أجمعين)). تفسير مقاتل (3: 53).

هذا، وسيأتي الحديث عن هؤلاء الأعلام الكرام الذين ذكرهم مقاتل، وبيان أصول عربية هذه أسمائهم إن شاء الله.


الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
[email protected]
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1898
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير