تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 ـ إنَّ اسم إبراهيم قد اختلفت في أصله الآراء، وكثرت في النظر في اشتقاقه، فمنهم من جعله (أب رحيم)، ومنهم من جعله (آب رام؛ أي: أبو العلا)، ومنهم من جعله من مادة (بره)، أي صاحب البرهان ... الخ من تحليل لهذا الاسم. (ينظر في هذا: العلم الأعجمي في القرآن مفسرًا بالقرآن، لرؤوف أبو سعدة، ومعرب القرآن عربي أصيل للدكتور جاسر أبو صفية، ومقالة بعنوان: تأصيل عروبة إبراهيم، لأحمد نصيف الجنابي، مجلة الضاد، بغداد، ج2: 1409 ـ 1989).

ولكني إلى اليوم لم أصل إلى ما تطمئن إليه نفسي من أصل اشتقاق هذا الاسم العربي، أما من له صلة قرابة بإبراهيم (آزر، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، سارة، هاجر، لوط) فإني سآتي ـ إن شاء الله ـ على بيان عروبتهم.

2 ـ هل كان إبراهيم عبرانيًّا؟

لقد خرج إبراهيم بمن معه من لعراق، ثمَّ اتَّجه إلى الشام، فأين كان مسكنه؟

الذي يظهر من سيرته أنه سكن بادية الشام، وأنه كان صاحب بقر؛ لأنه جاء بعجل حنيذ لأضيافه، ولأنه كان ساكنًا في بادية الشام، وكان عابرًا إليها من العراق سُمِّي (إبرام العبراني).

فأصل الكلمة عربيٌ صحيح، مأخوذ من مادة (عبر) التي تدلُّ على الانتقال من مكان إلى مكان كما هو حال إبراهيم عليه السلام الذي عبر من (أور الكلدانيين) إلى بادية الشام.

ويظهر أنَّ العبراني ـ آنذاك ـ كانت له إطلاقات، منها:

1 ـ أنها تُطلق على الذي يعبر إلى شيء كما هو أصل دلالة اللفظة، وكذا كان حال إبراهيم حيث عبر إلى بادية الشام.

2 ـ أنه ساكن البادية، وكذا كان حال إبراهيم عليه السلام، حيث استقرَّ ببادية الشام، وكان يتنقَّل إلى ما جاورها من المدن طلبًا للتجارة، كما ذهب إلى مصر في رحلته المعروفة.

والذي يدلُّ على ذلك ما ورد في سورة يوسف لما جاء بأبويه إلى مصر، قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)، فإبراهيم وذريته (إسحاق وابن يعقوب وأبناء يعقوب) كانوا في البادية كما هو نصُّ الآية (وجاء بكم من البدو).

ولا يلزم من كونهم كانوا في البادية عيب أو نقيصة، بل تلك كانت مشيئة الله لهم، والله يفعل ما يشاء لا معقِّب لحكمه.

وكما أنَّ بداوتهم ليس فيها نقيصة، فليس على إبراهيم أبي الأنبياء من نقيصة من كونه لم يؤمن به في وقته كثيرٌ، بل لم يُذكر أنه آمن به ـ وهو من هو في الفضل من بين الأنبياء ـ سوى زوجه وهاجر وأبنائه منهما ولوط.

ومن هذا تعرف أنَّ الوصف بالعبرانية لا يعني قومية معينة، ولا لغة مستقلة محددة مطلقًا، بل هو وصف لحال إبراهيم من بين الشعوب التي نزل بجوارها.

3 ـ إذا كان هذا الوصف هو لحال إبراهيم عليه السلام، فإنه يُعلم أنَّ هذا الوصف قد بقي في أحفاده من نسل إسحاق من بعده، فهم عبروا أيضًا إلى مصر، وهم بهذا يُسمون بالعبرانيين لأجل هذه الدلالة الوصفية فحسب.

4 ـ وإذا رجعنا إلى لغة إبراهيم عليه السلام، فإننا لن نجدها لغة مستقلَّة مغايرة مغايرةً تامةً لغة سكان الشام آنذاك، ومما يستأنس به في هذا أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل لوطًا إلى قرى سدوم وعمورة وغيرها، ولو لم يكن يعرف لسانهم لما صَلُحَ لأن يبعث لهم، والله تعالى يقول: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم:4)، فدلَّ هذا على أنَّ لسان لوط ولسان من أُرسِل إليهم واحدٌ، وهو اللسان الذي يتكلم به أصحاب هذه المنطقة في عراقهم وشامهم ومصرهم وجزيرتهم العربية كما هو الحال اليوم في توحًّدِ اللغة.

5 ـ وُلِدَ لإبراهيم ولدان: إسماعيل، وقد سكن مع أمه هاجر المصرية (لاحظ عربية اسمها) في مكة، وسيأتي إن شاء الله حديثًا عنها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير