وكذلك الحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة سواء كان المراد أن عمر الشخص فيها قصير أو كان المراد عمرها بذاتها.
8 ـ الأمثلة نلاحظ فيها تنوع المتاع فيها والملذات ويؤخذ هذا من قوله _تعالى_: " مما يأكل الناس والأنعام " أي: أخرج الله بذلك الماء أنواع النباتات والأشجار التي يأكل منها الناس والحيوانات، فكم ياترى أنواع ذلك المتاع والأشجار؟!!
وكذلك الحياة الدنيا فيها من أنواع المتاع والملذات ما لا يحصى ويدرك، ومع ذلك كما أن متاع ذلك المطر له أجل وسيفنى ويتحطم فكذلك متاع وملذات الحياة الدنيا؛ لأنها ممثلة بها.
9 ـ من خلال الأمثلة نلاحظ أن الله لم يخرج بذلك المطر نباتاً مباشرة هكذا، وإنما تكون الغيث ثم نزل الماء من السماء ثم اختلط بالأرض ثم بقي مدة ثم أخرجت الأرض نباتها، ففي ذلك من تعاقب المراحل ما يظهر ويعلم.
وكذلك الحياة الدنيا فيها من العناء والتعب الشيء الكثير، بل إن قيل لا يأتي شيء أبداً إلا بعناء يناسبه كان القول صحيحاً.
10 ـ الأمثلة خاصة آية سورة يونس دلت على وجوب بذل الأسباب الممكنة، فأهل ذلك البستان حرثوا وزرعوا وبذروا وعملوا وجدوا، ولذلك قال الله عن أهلها: " وظن أهلها أنهم قادرون عليها " فسبب ذلك أنهم عرفوا مقدار العمل الذي بذلوه وفعلاً تم لهم ما أرادوا قبل أن يأتيها أمر الله _سبحانه_.
وكذلك الحياة الدنيا تعمر بأفعال أهلها وأعمالهم وجدهم، أما بدون عمل ولا كدح فقدح في العقل.
11 ـ الله شبه الدنيا بالغيث، ومعلوم أن الغيث فيه رعد وبرق وصواعق وعواصف وغرق، وفيه مطر ونبات ونفع.
وكذلك الدنيا فيها من الخير الشيء الكثير ومن ضد ذلك ما يثبت به حكمة الله _سبحانه وتعالى_.
12 ـ الأصل في الحياة الدنيا عدم الاستقرار والتبدل كما في المثال الذي ذكره الله في الروض الأخضر، فالأصل أنه لا يبقى على حاله، بل التبدل هو الأصل الأصيل.
وهذا إذا فقه خرج حب الحياة الدنيا من قلب المسلم العارف بحقيقتها.
13 ـ الأمثلة المذكورة تربي في النفس المؤمنة قصر الأمل، وهو مطلب شرعي دل عليه قوله _صلى الله عليه وسلم_: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه الترمذي.
فدنيا لا تستقر على حال ولا تستمر عند شخص وقصيرة المدة وركبت على التعب والنصب تجعل الشخص المؤمن قصير الأمل فيها.
14 ـ دلت الأمثلة أن كل ما كان من شيء حسن في الحياة الدنيا غير عبادة الله فهو من زينتها وزخرفها، ولفظ الزينة والزخرف يوحي بالزوال؛ لأنه ليس من ذات الشيء بل زائد عنه
15 ـ دلت الأمثلة المذكورة في الآيات أن الحياة الدنيا تخدع من يركض وراءها، فانظر كيف خدعتهم في زينتها حتى أن أهلها ظنوا " أنهم قادرون عليها " وفي ليلة واحدة أنكرتهم وتبدلت لهم بوجه آخر لا مقارنة بينه وبين السابق، فمن بعد ذلك يطمئن لها ويرضى بها؟!
16 ـ تلك الآيات تجعل المسلم يعرف مع من يتعامل، فهو يتعامل مع " فان، زائل، زينة، زخرف، هشيم، تذروه الرياح".
وهذه هي حقيقة الحياة الدنيا، فمعرفة ذلك يعطي المسلم تصوراً في طبيعة التعامل مع الطرف الآخر، فلا يحزن لفوات شيء منه ولا يتبع نفسه لحصول آخر.
17 ـ الأمثلة المذكورة تجعل المسلم يعرف كيف يتعامل مع الحياة الدنيا، فيتعامل معها كما يتعامل مع أي زينة أخرى.
18 ـ تصوير تلك الأمثلة للحياة الدنيا بصفاتها وتغريرها يخرج من قلب المؤمن الحب لأجلها والبغض لأجلها، وهذا الأمر من أصول العقيدة فيجعل المحبة خالصة لله وفي الله وبغضه أيضاً لله وحده – سبحانه-.
19 ـ الأمثلة تربي النفس على التفكر والتدبر وقياس الأمور بعضها على بعض، ولذلك ختم الله الآيات بقوله – تعالى-: "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
20 ـ من تأمل هذه الأمثلة المضروبة عن الدنيا تهون الدنيا بعينه رغم كنوزها وأموالها وأرضها وجميع ما فيها إلا ذكر الله وما والاه.
21 ـ لا مقارنة أبداً بين الدنيا والدار الباقية دار السلام " الجنة "، ومن تأمل النصوص ظهر له ذلك جلياً، فمثلاً:
أ ـ قال - صلى الله عليه وسلم-: "موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.
ب ـ قال - صلى الله عليه وسلم - عن الحور العين: "ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.
¥