لذلك قال جل فى علاه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} فقد تكفل الله بنصر دينه، ونشرِه في الآفاقِ وإعلائه، وإتمام الحق الذي أرسل به رسله، ولو كره الكافرون، وبذلوا بسبب كراهتهم كل سبب يتوصلون به إلى إطفاء نور الله فإنهم مغلوبون، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} أي: ندامة؛ حيث لم تُجْدِ شيئًا؛ لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون، وناصر دينه، ومُعْلِن كلمته، ومظهر دينه على كل دين. فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار.
فالدعوة لن تتوقف لأن الله سبحانه {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فالدين الحق هو ما جاءنا عن النبى صلى الله عليه وسلم القائم على العلم النافع والعمل الصالح، وليس القائم على أهواء الرجال الخادم لمصالحهم، فديننا ودعوتنا قائمة إلى أن تقوم الساعة على شرار الخلق، فلن يغالبها مغالب، أو يخاصمها مخاصم، إلا قسمه الله، فالله ناصر دينه لا محالة {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فهذا الوصف ملازم لدعوة الحق في كل وقت، أما المنتسبون إلي هذه الدعوة، فإنهم إذا قاموا بها، واستناروا بنورها، واهتدوا بهديها، الذى هو الكتاب والسنة، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأرض جميعاً {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} و {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}، أما إذا ضيعوها، ولم يعملوا بها، واكتفوا منها بمجرد الانتساب إليها، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم ل بها لعمل سبب تسليط الأعداء عليهم {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
فدين الله غالب لا محالة {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} فالله مظهر الحق بإتمام دينه، بنا أو بغيرنا، فعلينا أن نصلح من أنفسنا، لنكون أهلاً لتبليغ دين الله، فهذ الشرف لا يناله إلا من هو أهل له {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}. فإن أردنا أن نكون أحق بها وأهلها، قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} فالإيمان بالله ورسوله أولاً، فلا نقدم شئ على أمر الله ورسوله، ثم جهاد الهوى وسائرَ العلائق بالأموال والأنفس ثانياً، فالأموال تنفق فى سبيل الدعوة، والأنفس تنفق فى سبيل تعلم العلم وتعليمه للناس، وألا نخشى فى الله أحد {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} إن فعلتم -أيها المؤمنون- ما أمركم الله به يستر عليكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ومساكن طاهرة زكية في جنات إقامة دائمة لا تنقطع، ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده.
ونعمة أخرى لكم- أيها المؤمنون- تحبونها هي نصر من الله يأتيكم، وفتح عاجل يتم على أيديكم {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
فإن بذلنا أنفسنا وأموالنا لله، كان النصر والفتح في الدنيا، والجنة في الآخرة.
فـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} بالأقوال والأفعال، والقيام بدين الله، والحرص على إقامته على الغير، وجهاد من عانده ونابذه، بالأبدان والأموال، وبتعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحث على ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرد على الباطل وأهله، وبيان ضلالهم للناس، والتحذير منهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} انصروا دين الله، انصروا كتاب ربكم وسنة نبيكم، وملة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
عن تميم الداري، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله هذا الدين، بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر" [رواه أحمد (4/ 203) والحاكم (4/ 430431) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم فقط] (انظر: تحذير الساجد 1/ 112).
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا
اللهم لا تعاملنا بما نحن أهله فنهلك ونكن من الخاسرين
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
¥