تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو سفيان الأثرى المصرى]ــــــــ[04 - 11 - 10, 06:08 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،

قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات:50 - 51].

الفرار: الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء.

ففرار السعداء: الفرار إلى الله عز وجل.،

أما فرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه.

قال ابن عباس في قوله تعالى {ففروا إلى الله}: " فروا منه إليه واعملوا بطاعته "

وقال سهل بن عبدالله " فروا مما سوى الله إلى الله "

وقال آخرون " اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة "

فهو فرار من الله إلى الله سبحانه وتعالى

فإن الفرار اليه سبحانه يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، فهو فرار بالقلب من محبة غير الله الى محبته، من عبودية غيره الى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه الى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له الى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له جل وعلا، وهذا بعينه معنى قوله تعال {ففروا إلى الله} وفي هذا الأمر سر عظيم من اسرار التوحيد.

فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله الى الله

والفرار منه اليه متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر وأن كل ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفر منه العبد فإنما أوجبته مشيئة الله وحده فإنه ما شاء كان بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فر العبد الى الله فإنما يفر من شئ وجد بمشيئة الله الى شئ وجد بمشيئة الله، فهو في الحقيقة فار من الله إليه.

ومن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم " وأعوذ بك منك " وقوله " لاملجأ ولا منجى منك إلا اليك " فانه ليس في الوجود شئ يُفر منه ويُستعاذ منه ويُلتجأ منه الا هو من الله خلقا وتقديرا.

فالفار والمستعيذ: فار مما اوجده قدر الله ومشيئته وخلقه الى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه واحسانه ففي الحقيقة هو هارب من الله إليه ومستعيذ بالله منه.

وتصور هذين الامرين يوجب للعبد انقطاع تعلق قلبه عن غيره بالكلية خوفا ورجاء ومحبة، فانه إذا علم ان الذي يفر منه ويستعيذ منه انما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه؛ لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده فتضمن ذلك افراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء، فلا يبقى في القلب التفات الى غيره سبحانه.

ومن تأمل فى قول الملك جل وعلا {فَفِرُّواْ} علم أنه لا مجال للإبطاء في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فيفزع إلى الله سريعاً ويفر مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، يفر من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له، نهاية المراد والمطلوب.

وسمى الله الرجوع إليه فرارَا، لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه، أنواع المحاب والأمن، والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضاء الله وقدره، إلى قضاء الله وقدره، فكل من خفت منه فررت منه إلا الله سبحانه وتعالى فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه. فجمعت لفظة ففروا بين التحذير والاستدعاء.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر، فزع إلى الصلاة، وهذا فرار إلى الله.

وقوله جل وعلا {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} تعليل للأمر بالفرار، أى: أسرعوا إلى طاعة الله تعالى إنى لكم من عقابه المعد لمن يصر على معصيته نذير بَيّن الإنذار.

ثم أكد سبحانه هذا الإنذار، ونهى عن التباطؤ فقال: {وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ} هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله، من الأوثان، والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف، والرجاء والدعاء، والإنابة.

{إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.

وكرر جل وعلا {إني لكم منه نذير مبين} عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما.

فالآية الأولى كان التعليل فيها للأمر بالفرار إلى الله تعالى، والثانية كان التعليل فيها للنهى عن الإشراك به سبحانه.

فمن رزقه الله فهماً وبصيرة؛ فر من نفسه إلى ربه واعتصم به.

فمن صح فراره إلى الله صح قراره مع الله

الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير