تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نفياً لكان الله تعالى يبينها بياناًً ظاهراًًً، لكن الخطر كله أن نقول: إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة", فكما ترى لم يعتقد فضيلته بالمثل أن القول بحركة الأرض حول الشمس إثباتاً أو نفياً إنكارا لمعلوم من الدين بالضرورة؛ وإنما دافع الشيخان بضراوة عن صريح الكتاب العزيز بأن للشمس حركة تخصها, ويكفي تصريح سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز لإسناد المسائل الكونية إلى المختصين وتوقف ما عداهم حتى تتضح لهم حقائق قد بُذلت في نيلها أعمار في قوله (رحمه الله تعالى): "الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب؛ حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك".

والمجمع عليه أن يقيني الثبوت والدلالة مما يُنسب للوحي لا يمكن أن يعارض حقيقة كونية مقطوع بها, ويكفي تصريح فضيلة الشيخ محمد بن العثيمين لبيان حرص العدول على حفظ الشريعة من الصدام مع الواقع إن ثبت بيقين في قوله (رحمه الله تعالى): "علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله (عليه الصلاة والسلام)؛ اللهم إلا إن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علماًً يقينياً بما يخالف .. ، فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا .. غير صحيح", ويبلغ تواضع الفضلاء أمام البيان المعجز غايته في قول فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (رحمه الله تعالى): "إن من أنواع البيان التي تضمنها (هذا الكتاب المبارك) أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول", وقال ابن تيمية (رحمه الله تعالى) في مجموع الفتاوى (ج6 ص557): "العلوم السمعية الصحيحة لا تنافى معقولا صحيحا .. , فإن ذلك .. قد أشكل على كثير من الناس حيث يرون ما يقال أنه معلوم بالعقل مخالفًا لما يقال أنه معلوم بالسمع .. , فأوجب ذلك أن كذبت كل طائفة بما لم تحط بعلمه حتى آل الأمر بقوم من أهل الكلام إلى أن تكلموا في معارضة الفلاسفة في الأفلاك بكلام ليس معهم به حجة لا من شرع ولا من عقل, وظنوا أن ذلك الكلام من نصر الشريعة, وكان ما جحدوه معلوما بالأدلة الشرعية أيضا".

ومن المعلوم أن الألفاظ متعددة الدلالة كلفظ (الأرض) يتعين من دلالاتها المناسب والأليق بكل مقام Context, وقد يرد لفظ (الأرض) للدلالة على مسميات مختلفة كالكوكب أو غلافه الصخري السطحي أو البلد؛ أو حتى التربة والغبار كما في التعبير: ?بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ? البقرة: 71, ومن تفوته القرائن قد يحمل لفظ (الأرض) على وجه غير لائق بالمقام, والمعلوم حاليا أن الجبال امتدادات سطحية بالغلاف الصخري المقسم إلى قطع متجاورات تسمى الألواح القارية Tectonic Plates, وتقوم الجبال الممتدة عميقا بتثبيت تلك الألواح فوق تيارات الباطن كما تفعل أوتاد الخيمة بعد أن كانت تميد وتضطرب عند بداية تكونها, وما أشبه الجبال إذن بالرواسي الصخرية التي استخدمت قديما لتثبيت السفن الطافية فوق تيارات المحيط دونها, وفي قوله تعالى: ?وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ? النحل: 15؛ الأليق بالمقام حمل لفظ (الأرض) على قِطَع الغلاف الصخري للكوكب المسمى قشرة الأرض Crust, فتتجلى للقرآن معجزة لإنبائه بغيب, ومع تثنية النبأ تتأكد المعجزة وتتأيد دلالة لفظ (الأرض) على قِطَع الغلاف الصخري لا الكوكب في قوله تعالى: ?أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ? النمل: 61, وقوله تعالى: ?اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً? غافر: 64, وقوله تعالى: ?أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً? النبأ: 6و7, وتكفي قرينة وصف الأرض بمهاد الصبي كفراش مبسوط فوق الأرض يحميه مما دونه من أخطار لتؤيد دلالة لفظ (الأرض) على الطبقة السطحية وتدفع توهم الدلالة على ثبات الكوكب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير