تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ? يس: 38 - 40, قال الألوسي: "فيه دليل على أن الشمس متحركة .. على مركز آخر كما تتحرك الأرض عليها", وأن: "للثوابت حركة", ويفيض الوصف بتقدير الحركة, ففي التعبير: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)؛ تصريح بأن للقمر فلك يقطعه بالنسبة لمنازله النجومية من هلال بداية الشهر حتى هلال آخره حيث يعود كهيئة عود الشمروخ الجاف الأصفر المقوس حامل التمر في النخيل, وبالفعل دورة القمر بالنسبة للنجوم تقل عن الشهر القمري فترة المحاق وتبلغ حوالي 27 يوما وثلث وتسمى بالشهر النجمي Sidereal month, وزيادة الشهر القمري تُفَسَّر فلكيًّا بتحرك القمر مع الأرض حول الشمس أثناء حركته حولها, وفي التعبير: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ)؛ دلالة على أن القمر أسرع, وهو كذلك بالفعل لأنه يزيد بحركته حول الأرض وحركته معها حول الشمس.

وفي التعبير: (وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)؛ نفي سبق الليل للنهار كجهتين للأرض يستقيم مع دوام حركتها هي في مدارها, وتقديم الليل في مقام الحركة يعني أن الحركة جهته أسرع، وفلكيًّا جهة الليل بالفعل أسرع لأن سرعة الأرض حول نفسها في نفس اتجاه سرعتها حول الشمس فتضم إليها؛ بينما تُخصم جهة النهار، قال جوهري: "أرضنا (إذن) دائرة غير دائرة نحن نراها ساكنة ولكنها دائرة لا تهدأ", "ومن جملة سيارات شمسنا هذه الأرض التي نحن عليها والقمر ملتزم بها ويدور عليها ومعها على الشمس", إذن: "دوران الأرض حول الشمس ليس غير مخالف للقرآن فحسب؛ بل له منه دلائل".

ويلاحظ المراقب تزايد الشهب في الكثرة والسرعة بعد منتصف الليل لتبلغ الدرجة القصوى فترة الصبح باعتبارها جبهة الأرض خلال مسارها في مدارها حول الشمس, وهي نفس الفترة التي اختارها القرآن الكريم لبيان أقصى شدة للارتطام والدمار بالأحجار النيزكية, قال تعالى: ?إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ? هود: 81 - 83, وقال تعالى: ?فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ? الحجر: 73و74, وبالفعل يكون الارتطام على أشده عندما تواجه الأرض النيزك بجبهتها فترة الشروق خلال حركتها في مدارها حول الشمس مضيفة سرعتها نحوه إلى سرعته نحوها؛ بخلاف الجهة المقابلة فترة الغروب حيث تُخصم سرعتها من سرعته فتقل قوة الارتطام.

فما أشبه كوكب الأرض إذن بدابة يمتطي الناس ظهرها فتمضي بهم ليمرون على المعالم حولهم؛ فتبدو لهم المعالم السماوية مارة من الشرق إلى الغرب والأرض ساكنة, والحقيقة أنهم هم الذين يمرون على المعالم السماوية كما يمر راكب الدابة على معالم الأرض؛ أليس هذا هو مضمون التمثيل في قوله تعالى: ?وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ? يوسف: 105, فهم الذين يمرون على المعالم السماوية وهم على ظهر الأرض بيانا لحركتها اليومية والسنوية كما يمرون على المعالم الأرضية وهم على ظهر المركوبات ولا يعتبرون ببديع الصنع ووحدة التصميم والتقدير, وتلاحظ أن وصف الحركة الفعلية مجرد من النسبة للبشر؛ وإنما جاء التعبير عن حركة الأرض بمرور من على سطحها كشهود على دلائل التقدير, قال الألوسي: "الآية في السماوات .. أي .. من الأجرام الفلكية", وقال ابن كثير: "ما زُينت به من .. الثوابت والسيارات", وفي الميزان: "لو حُمل قوله (يَمُرُّونَ) على التصريح دون الكناية كان من الدليل على .. حركة الأرض .. , فإنا نحن المارون على الأجرام السماوية بحركة الأرض (اليومية والسنوية) .. ؛ (بعكس) ما يُخيل إلينا في ظاهر الحس".

وكما رأيت وفق ما كشفه العلم حديثا مُفَسِّرًا ومُؤَيِّدًا للقرآن الكريم؛ في الكون نظام يوحد حركة كل الأجرام يستحيل أن تخالفه الأرض فتخرج على القانون وتخرق وحدة التقدير, فلا تملك لنفسها اختيار؛ ولذا حركتها ضمن حشود الأجرام في الكون التي يوحدها نفس التصميم Design شهادةً تعلنها كسواها على وحدانية المبدع القدير, وأما كشف خفايا التكوين في تعبير وصفي دقيق وعميق يعتمد التمثيل الغني بالمضامين فيتجاوز أفاق المعارف زمن التنزيل ليشهد للكتاب الكريم جازمًا بالوحي.

المراجع العربية:

الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 475هـ, تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب المتوفى سنة 1386 هـ, من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي المتوفى سنة 1419هـ, مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز المتوفى سنة 1420 هـ, تفسير القرآن ولقاءات الباب المفتوح لفضيلة الشيخ محمد بن العثيمين المتوفى سنة 2001 م, تفسير أضواء البيان لمحمد الأمين بن محمد بن المختار الشنقيطي المتوفى سنة 1393هـ, مجموع فتاوى ورسائل ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ, تفسير ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ, تفسير القاسمي المتوفى سنة 1332 هـ, تفسير المحرر الوجيز لابن عطية المتوفى سنة 541هـ, تفسير شهاب الدين الألوسي المتوفى سنة 1270 هـ, تفسير ابن عاشور المتوفى سنة 1393هـ, تفسير الجواهر لطنطاوي جوهري المتوفى سنة 1358 هـ, تفسير الميزان للسيد محمد حسين المتوفى سنة 1402 هـ.

English References:

Zeilik and Gregory: “Introductory Astronomy and Astrophysics” – 1998 - Saunders College Publishing - Philadelphia, Laros Astronomy, Encyclopedia Britannica, Oxford Encyclopedia, wikipedia encyclopedia.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير