قال الشيخ الفاضل محمد يحيي شريف: وأهل الأداء اليوم يقرؤون بالإبدال من بعض طرق الطيّبة ولو كانت العلّة في تضعيفه أنّه مذهب النحويين لسقط العمل به من جميع الطرق. ومن الطرق التي يُقرأ منها بوجه الإبدال كتاب التبصرة لمكّي القيسي وقد صرّح فيه بأنّه مذهب النحاة فلماذا يُقرأ به الآن من طريقه من الطيّبة إذن؟. قال مكي القيسي في كتابه التبصرة في القراءات السبع: "قرأ الكوفيون وابن عامر {" أئمة "} بهمزتين محققتين حيث وقع، وقرأ الباقون بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، والنحويّون يقولون إنّ الثانية ياءً مكسورة." (ص226).
وقد اقتصر على الإبدال كلّ من أسند الرواية من طريق مكي القيسي كما هو مذهب صاحب القصيدة الحصرية الذي يقول: ولا بدّ من إبدالها في " أئمة " ...... فصَحْوَكَ إنّ الجاهلين لفي سُكْر.
قال ابن عظيمة الإشبيلي (ت543) في كتابه منح الفريدة الحمصية في شرح القصيدة الحصرية عند قول الناظم: "ولا بد من إبدالها في {" أئمة "}، "وقرأ وإبدال الثانية ياء محضة ولا تلتفت إلى من يرى تسهيلها بين بين".ص308.
وقال الجعبري عليه رحمة الله تعالى: "ولم يُنبّه – أي الداني في التيسير – على ما نبّه عليه الناظم من أنّ قياس التخفيف عند النحاة إبدال الهمزة ياءً مكسورة وبه أخذ مكّي وابن شريح. وليس معنى كلامه أنّ كلّ القراء سهّلوا وكلّ النحاة أبدلوا بل الأكثر من الكلّ على ما ذكروا الأقلّ على العكس، ووافق في قوله: وفي النحو أبدلا قول مكي، والنحويون يقولون إنّ الثانية ياء مكسورة." (كنز المعاني 2/ 416 الطبعة المغربية)
الجواب: قال مكي في كتاب التبصرة: "قرأ الكوفيون وابن عامر {" أئمة "} بهمزتين محققتين حيث وقع، وقرأ الباقون بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، والنحويّون يقولون إنّ الثانية ياءً مكسورة." (ص226).
نري أنه لم يذكرإلا التسهيل ونسب الياء للنحاة.
فابن الجزري لم ينسب لمكي القول بالياء، بل ذكر بأنه " أشار" فقط وأدخل معه الداني وقد تبين أن الداني " أشار " ولم يأخذ به، وقد جزم ابن الجزري لمكي القيسي من التبصرة بالتسهيل حيث قال: أما في التسهيل فقد جزم بذلك وقال: أنها تجعل بين بين كما هي في سائر باب الهمزتين من كلمة ..... وعلى هذا الوجه نص ..... ومكي في تبصرته وأبو القاسم الشاطبي وغيرهم) ا. هـ.
وذكر مكي في مقدمة كتابه ما يلي: .. واعتمدت في أكثره علي ما قرأت به علي شيخنا أبي الطيب عبد المنعم (صاحب الإرشاد) .. وربما ذكرت ما قرأت به علي غيره، ونبهت علي قول من يخالفه في بعض رواياته واختياراته، وذلك قليل.وسأفرد كتابا للروايات التي قرأت بها علي غيره) 15.16
فقد ذكر مكي ما أخذه عن شيخه أبي الطيب صاحب الإرشاد وبالرجوع لمخطوطة الإرشاد قال أبو الطيب فيه ما يلي: قرأ الكوفيون وابن عامر {" أئمة " الكفر} بهمزتين حيث وقع والباقون بهمزة، وياء مختلسة الكسرة من غير مد حيث وقع"ورقة 96.
ومكي ذكر الياء في كتاب الكشف عند تعليله الإبدال ياء والكشف ليس من كتب أصول النشر ولا يؤخذ منه حكم. فالعبرة بما اعتمده ابن الجزري من كتاب التبصرة.
وذكرصاحب فريدة الدهر التسهيل فقط من التبصرة لأهل سما ولم يذكر الياء ألبتة لأحد منهم ـ كما في الجزء الأول من الفريدة.
والخلاصة: أن الجعبري نسب الياء لمكي من كتاب آخر غير الكتاب المعتمد في أصول النشر.
أقوال شراح الشاطبية:
قال السخاوي في فتح الوصيد: .. والتسهيل أن تجعل الثانية بين مخرج الياء والهمزة وهو الذي جاء في الأثر. في مذهب من لم يحقق، وأطبق عليه أهل الضبط والإتقان ممن يرجع إليه ويعول عليه كابن مجاهد وابن أبي هاشم وغيرهما وهو الذي دونوه في كتبهم واشتهر في أمصار الإسلام.
بالنظر لهذه العبارات (أطبق ـ ممن يرجع إليه ـ واشتهر في امصار الاسلام)
كل هذه عبارات قوية في صحة التسهيل وقوتها وضعف البدل.
والذي يؤكد لك ذلك سكوته عن قول الزمخشري: (إن التصريح بالياء ليس بقراءة) ومعلوم أن السخاوي لا يسكت علي مثل هذا الكلام، فدل علي أنه يقرُّه ويؤيده ويكفي في ذلك قوله (وأطبق) وهذا واضح جلي للعيان.
ثم تطرق السخاوي لقول النحاة فقال: إن التصريح بالياء ليس بقراءة ولا يجوز أن يكون ومن صرح بها فهو لاحن محرف (ثم أخذ في توجيه التسهيل.) ا. هـ 353
¥