يسره الله تعالى وتضييقه ما فسحه ومن العجب أنه يقرىء الناس بهذه المذاهب ويكره الصلاة بها ففي أي موضع يستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه أو ائتم بإمام يقرأ بقراءته أن يعيد ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث والإمام أحمد بن حنبل وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقتهم وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها وطول اختلاف المتعلم إلى المقرىء فيها فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشرا وفي مائة آية شهرا وفي السبع الطوال حولا ورأوه عند قراءته مائل الشدقين دار الوريدين راشح الجبين توهموا أن ذلك لفضله في القراءة وحذقه بها وليس هكذا كانت قراءة رسول الله ولا خيار السلف ولا التابعين ولا القراء العالمين بل كانت سهلة رسلة
وقال الخلال في الجامع: عن أبي عبد الله إنه قال: لا أحب قراءة فلان يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة وكرهها كراهية شديدة وجعل يعجب من قراءته وقال: لا يعجبني فإن كان رجل يقبل منك فانهه
وحكى عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس: أنه نهاه عنها
وقال الفضل بن زياد: إن رجلا قال لأبي عبد الله: فما أترك من قراءته قال: الإدغام والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب
وسأله عبد الله ابنه عنها فقال: أكره الكسر الشديد والإضجاع
وقال في موضع آخر: إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به
وسأله الحسن بن محمد بن الحارث: أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة قال أكرهه أشد كراهة إنما هي قراءة محدثة وكرهها شديدا حتى غضب
وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال: أكرهها أشد الكراهة قيل له: ما تكره منها قال: هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد
وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها وقال: كرهها ابن إدريس وأراه قال: وعبد الرحمن بن مهدي وقال: ما أدري إيش هذه القراءة ثم قال: وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب
وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة
ونص أحمد رحمه الله على أنه يعيد وعنه رواية أخرى: أنه لا يعيد
والمقصود: أن الأئمة كرهوا التنطع والغلو في النطق بالحرف
ومن تأمل هدي رسول الله وإقراراه أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع والتشدق والوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته " (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 152).
وقد أنكر الشافعي والإمام أحمد قراءة حمزة لما فيها من الإمالة وغيرها،قال ابن هانئ في مسائله برقم (1953 - 1954) سألت أبا عبدالله-يعني الإمام أحمد- قلت: نصلي خلف من يقرأ قراءة حمزة؟ قال إن كان رجلاً يقبل منك فانهه، قال أبو عبدالله: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: لو صليت خلف من يقرأ قراءة حمزة أعدت الصلاة.
وقال النووي: "إن لم يكن القارئ حسن الصوت حسّنه ما استطاع، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة، وإلى التمطيط المخرج له عن حدوده".
والتغني الممدوح هو ما تقتضيه الطبيعة، وتسمح به القريحة، من غير تكلف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خلي وطبعه استرسلت طبيعته بفضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى رضي الله عنه: لحبرته لك تحبيرا.
وقال شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما -في تزيين الصوت بالقرآن- هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، لا صرف الهمة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، وشغله بالوصل والفصل، والإضجاع والإرجاع والتطريب، وغير ذلك، مما هو مفض إلى تغيير كتاب الله، والتلاعب به، حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته.
ولابن ماجه عن جابر مرفوعًا: ?إن من أحسن الناس صوتاً الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله?، ولأبي داود عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال: ?اقرءوا فكلٌ حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القِدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه?، أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة للرياء والمباهاة والشهرة والتأكل، ويذهب الخشوع.
¥