تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[شيء من استنباطات ابن قتيبة من القرآن الكريم لإبراز علم تعبير الرؤى.]

ـ[أم عبدالله الجزائرية]ــــــــ[24 - 11 - 10, 09:36 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.

أما بعد:

[شيء من استنباطات ابن قتيبة من القرآن الكريم لإبراز علم تعبير الرؤى.]

إن ابن قتيبة (تـ 276) عالم معروف لدى أهل العلم، وله جهود مشكورة في تأليف ما هو مفيد من المصنفات، ومن ذلك كتاب تعبير الرؤيا.

وهذا الكتاب على صغر حجمه فيه فوائد وفرائد ربما يصعب أن تجدها في غيره كما يبدو لي، ومنها:

1 - يقول ابن قتيبة مشيرا إلى نقطة مهمة وهي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المعبر، بعد أن عرض أصول هذا العلم:

" ولن تغني عنه معرفة الأصول، إلا أن يمده الله بتوفيق يسدد حكمه للحق، ولسانه للصواب ... يكون طيب الطعمة نقيا من الفواحش، طاهرا من الذنوب، فإذا كان كذلك، أفرغ الله عليه من التوفيق ذنوبا، وجعل له من مواريث الأنبياء نصيبا "

وهذا الاستنباط من ابن قتيبة يعارض ما تقرر من أن العلم قد يرزقه الفاجر، لذا يقول أحد السلف كما أذكر:

" كنا نتعوذ بالله من فتنة العالم الفاجر، والعابد الزاهد "

ولا بد لابن قتيبة من دليل واضح والله أعلم على ما ذهب إليه، ولا أظن أن هذا الدليل يبعد عن سورة يوسف عليه السلام، قال تعالى في سورة يوسف:

[وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]

[وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ]

[ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ]

[يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ]

ومن تدبر الآيات الكريمة وجد أنها تشير للصفات الواجب توافرها في المعبر والتي ذكرها ابن قتيبة وتشير سورة يوسف أيضا لطهر نبي الله يوسف عليه السلام وأمانته وهذا لا يخفى والحمد لله تعالى.

2 - ويرى ابن قتيبة أن الأولى فيما يخص الرؤيا أن تأول بالقرآن الكريم؛ ولقد بين أن الأصل أن ينظر في الألفاظ التي برزت في الرؤيا وخاصة الأسماء، والتعبير بالقرآن قد يختلف على حسب اختلاف الحال عنده، فالغل يراه الرجل في يده، فهو مكروه لقوله تعالى:

[غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا]

ولقوله تعالى:

[إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا]

لكن قد يراه الرجل البر، فيصرف إلى أن يده تقبض عن الشر.

أما الأسماء والاستفادة منها في التعبير، فعلى سبيل المثال فإذا رأى الرائي الخشب: يعبر بالنفاق، لقوله عز وجل:

[كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ].

ونرى أنه يستفيد من القرآن أيضا في تأصيل أصول التعبير، فيرى أن الرؤيا تعبر بالسنة، وبالأمثال السائرة، وقد تحدث القرآن عن الأمثال، وقد تحدث ابن قتيبة عن الشعر وأظنه يندرج تحت قسم الأمثال، وهذا القسم أي قسم الأمثال وتوابعها من الألفاظ المبذولة وغيرها تتحكم في فنون التعبير على حسب الحال والزمان واقترانها بما يغير المعنى في بعض الأحيان ويعكسه.

3 - ولقد ظهرت براعة ابن قتيبة في التفسير والاستنباط من خلال إثباته لأصول التعبير، وفي أثناء الكتاب قام بتطبيق ما قال، فعبر المطر العام في الرؤيا: بالغياث والرحمة والبركة، أما الخاص في دار أو محلة: بالأوجاع والبلايا لقوله تعالى:

[وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ]

فهذا يظهر براعته في الاستنباط وفهم إشارات الرؤيا.

إلا أني لم أرتضي تفسيره لأمرين، سأذكر أمرا واحدا على سبيل المثال، والله أعلم ربما أخطأت، ولكنه البحث، وكل يؤخذ من قوله ويرد.

فقد عبر ابن قتيبة الزرع في الرؤيا إن كان معروفا تشبه مواضعه مواضع الزرع بأعمال بني آدم، فإن خالف الزرع هذه الصفة، فإنهم رجال يجتمعون في حرب، وإن حصد قتلوا، لقوله تعالى:

[مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ]

وذلك لأن المثال في الآية الكريمة يحكي عن صورة حقيقة للزرع تجذبنا للواقع لنستشعر المعنى، فقد قال تعلى:

[كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ]

فكيف يخالف الزرع الصفة المعروفة، فتنطبق عليه معاني الرؤيا، والله أعلم وأحكم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير