تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو القاسم المصري]ــــــــ[07 - 12 - 10, 03:45 م]ـ

فتوى شيخ الاسلام ابن تيمية

جاء في مجموع الفتاوى - (30/ 204)

وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَصَدَ لِأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَامْتَنَعَ مِنْ إقْرَائِهَا إلَّا بِأُجْرَةِ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ رُوِيَ مِنْ هَدْيِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى تَعْلِيمُ الْعِلْمِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى عَاقِلٍ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي. فَقَالَ: أَقْرِئْ الْعِلْمَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ يَحْرُمُ عَلَيَّ ذَلِكَ فَكَلَامُهُ صَحِيحٌ؟ أَمْ بَاطِلٌ؟ وَهَلْ هُوَ جَاهِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّهُ مَعْذُورٌ. وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ النَّافِعِ؟ أَمْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؟.

فَأَجَابَ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ نَشَأَ بِدِيَارِ الْإِسْلَامِ. وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُو التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ إنَّمَا كَانُوا يُعَلِّمُونَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ. وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُعَلِّمُ بِأُجْرَةِ أَصْلًا. فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ. وَالْأَنْبِيَاءُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ إنَّمَا كَانُوا يُعَلِّمُونَ الْعِلْمَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ. كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكَذَلِكَ قَالَ هُودُ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ خَاتَمُ الرُّسُلِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}. وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لَمْ يَتَنَازَعْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؛ بَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ؛ فَإِنَّ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ الَّذِي بَيَّنَهُ فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً} وَقَالَ: {لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ}. وَإِنَّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. إحْدَاهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ. وَفِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ؛ دُونَ الْغِنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى هَؤُلَاءِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّعْلِيمِ كَمَا يُعْطَى الْأَئِمَّةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ وَالْقُضَاةُ وَذَلِكَ جَائِزٌ مَعَ الْحَاجَةِ. وَهَلْ يَجُوزُ الِارْتِزَاقُ مَعَ الْغِنَى؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ. فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ عَمَلَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير