تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس في هذا الأمر غرابة؛ لأن الله يبتلي عباده بما يشاء، ويبتلى الرجل على قدر دينه، وكون الله قد قدَّر تسلط بعض الشياطين على الأنبياء، فإن ذلك مما لا ينكره إلا من تجرَّد من قبول الأخبار، إذ قد صح الخبر بلا نكير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ، وكان سحره فيما يتعلق ببشريته دون نبوته، وما السحر إلا تسلط من الشيطان، وكان ذلك من البلاء الذي قدَّره الله على أفضل خلق صلى الله عليه وسلم، ثمَّ نجَّاه منه.

فإذا كان هذا مستقرًا عنك بلا نكير، ولم تكن ممن يرد الأخبار الصحاح التي وردت في مثل هذا المقام، فمالذي يدعوك إلى إنكار أصل القصة التي وردت في فتنة سليمان، وأنه كان فيها تسليط للشيطان عليه، لكن ما مدى هذا التسليط، وما التفاصيل التي حصلت، فهذا مما لا يمكن إدراكه إلا بخبر معصوم، والخبر المعصوم ليس موجودًا في هذه الروايات، لذا كان انتقاد هذه التفاصيل دون أصلها.

أما ما رواه البخاري (ت: 256) من خبر سليمان عليه السلام، فلا يصلح أن يكون تفسيرًا للآية، قال الطاهر بن عاشور (ت: 1393):» وليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك تأويل هذه الآية. ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير في كتابيهما.

قال جماعة: فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيه، جاءت به القابلة، فألقته له وهو على كرسيه، فالفتنة على هذا خيبة أمله، ومخالفة ما أبلغه صاحبه.

وإطلاق الجسد على ذلك المولود؛ إما لأنه وُلِدَ ميتًا، كما هو ظاهر قوله: شق رجل، وإما لأنه كان خلقه غير معتاد، فكان مجرد جسد.

وهذا تفسير بعيدٌ؛ لأن الخبر لم يقتض أن الشقَّ الذي ولدته المرأة كان حيًّا، ولا أنه جلس على كرسي سليمان.

وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلُّف «. [التحرير والتنوير (23: 260)]

وبعد هذا، لو لم يكن عندك خبر من أخبار بني إسرائيل، ولا غيره من الآثار، فهل يخفى عليك البيان الجملي، والمعنى المراد بالآية؟

لا أظنَّ أن ذلك يخفى عليك، فأنت ستدرك المعنى والمراد دون الاعتماد على مرويات بني إسرائيل التي تتميز بذكر تفاصيل في القصة قد تزيد المعنى وضوحًا، دون أن تكون أصلاً في فهم المعنى.

ويصعب الأمر في تفسير الآية حين لا يرد عن السلف إشارة إلى غير الإسرائيليات، وفيها ما فيها من الغرابة والنكارة، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ % إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ % إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ % قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ % يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص: 21 ـ 26

قال ابن كثير (ت: 774):» قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديث لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه.

ويزيد، وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل، فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا «. [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، تحقيق: سامي السلامة (7: 60)]

ولم يتكلم ابن كثير (ت: 774) على هذه الآيات، ولا ذكر قصتها. وما ذلك إلا لكونها مشكلة عنده رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير