ثم المدعي لذلك من أهل الكلام وهم أجهل الناس بالآثار وأقلهم علما بالأخبار وأتركهم للنقل
فمن أين لهم علم بهذه ومن نقل منهم شيئا لم يقبل نقله ولا يلتفت إليه وإنما لهم الوضع والكذب وزور الكلام
ولا خلاف بين أهل النقل سنيهم وبدعيهم في أن مذهب السلف رضي الله عنهم في صفات الله سبحانه وتعالى الإقرار بها والإمرار لها والتسليم لقائلها وترك التعرض لتفسيرها بذلك جاءت الأخبار عنهم مجملة ومفصلة
فروي عن مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد في الأحاديث في الصفات أمروها كما جاءت
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب العلم ما جاء عن النبي من نقل الثقات وصح عن الصحابة رضي الله عنهم فهو علم يدان به وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل في ما جاء عنهم فهو بدعة وضلالة وما جاء في أسماء الله وصفاته عنهم نسلم له ولم نناظر كما لم يناظروا ورواها السلف وسكتوا عنها وكانوا أعمق الناس علما وأوسعهم فهما وأقلهم تكلفا ولم يكن سكوتهم عن عي فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر
وروى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه أجمع أهل العلم في المشرق والمغرب على أن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات لا تفسر أو كما قال
وقال حنبل سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن هذه الأحاديث التي تروي أن الله تبارك وتعالى يرى وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يضع قدمه وما أشبه ذلك
فقال أبو عبد الله رضي الله
عنه نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئا إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على الرسول قوله
ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه لا نتعدى ذلك ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى إلى على ما وصف به نفسه تبارك وتعالى وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير صفاته منه وله لا نتعدى القرآن والحديث والخبر ولا نعلم كيف ذاك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن
وقال أبو عبد الله حدثنا وكيع يوما بحديث من هذه الأحاديث فاقشعر زكرياء بن عدي فقال وكيع وغضب أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها
وهذا مما لا نعلم فيه بين سلفنا رحمهم الله اختلافا والمنكر له إما جاهل أو متجاهل قليل الدين والحياء لا يخاف من الله تعالى إذا كذب ولا يستحيي من الناس إذا كذب
ونحن على طريقة سلفنا وجادة أئمتنا وسنة نبينا ما أحدثنا قولا ولا زدنا زيادة بل آمنا بما جاء وأمررناه كما جاء وقلنا بما قالوا وسكتنا عما سكتوا عنه وسلكنا حيث سلكوا فلا وجه لنسبة الخلاف والبدعة إلينا
وإنما تكلم ابن عقيل على حال نفسه في حال بدعته! حين أحدث في دين الله عز وجل وخالف سلفه وأئمته وسادة أهل مذهبه واتبع أهل الكلام والبدع وفارق السنة وأخذ في البدعة أهدر دمه وأخيف سربه وقصد بالأذى والتشريد والإخافة والتطريد وصار ذليلا حقيرا فنسب حاله إلى من سواه وجعل الحدث منه حادثا ممن عداه وكسى وصفه لغيره وعير أهل السنة بمثل ذنبه كما قيل رمتني بدائها وانسلت
أما أهل السنة المتبعون للآثار السالكون طريق السلف الأخيار فما عليهم غضاضة ولا يلحقهم عار منهم العلماء العاملون ومنهم الأولياء والصالحون ومنهم الأتقياء الأبرار والأصفياء والأخيار أهل الولايات والكرامات وأهل العبادات والاجتهادات بذكرهم تزين الكتب والدفاتر وأخبارهم تحسن المحافل والمحاضر تحيا القلوب بذكر أخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم بهم قام الدين وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وهم مفزع الخلق عند اشتداد الأمور عليهم فالملوك فمن دونهم يقصدون زياراتهم ويتبركون بدعائهم ويستشفعون إلى الله سبحانه وتعالى بهم فنحن أصحاب المقامات الفاخرة ولنا شرف الدنيا والآخرة
ومن نظر في كتب العلماء التي أفردت لذكر الأولياء لم يجد فيها إلا منا ومتى نقلت الكرامات لم تنقل إلا عنا ومتى أراد واعظ أو غيره يطيب مجلسه ويزينه زينه بأخبار بعض زهادنا أو كرامات عبادنا أو وصف علمائنا وعند ذكر صالحينا تنزل الرحمة وتطيب القلوب ويستجاب الدعاء ويكشف البلاء ولله در القائل
ذهبت دولة أصحاب البدع** ووهى حبلهم ثم انقطع
¥