وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة
وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى قولهم إن ما ثبت في حقنا يكون في الغائب مثله قلنا أخطأتم من وجوه ثلاثة أحدها تسميتكم الله تعالى غائبا
وأسماء الله تعالى وصفاته إنما توجد من الشرع وأنتم قبحكم الله ما وجدتم لله تعالى من تسعة وتسعين اسما اسما تسمونه به حتى أحكيتم له من عندكم اسما ثم قد نفى الله سبحانه وتعالى هذا عن نفسه فقال تعالى وما كنا غائبين
الثاني أنكم رجعتم إلى التشبيه الذي نفيه معتمدكم في رد كتاب الله تعالى وسنة رسوله وجعلتم الله تعالى مقيسا على عباده ومشابها لهم في صفاته وأسمائه وهذا هو عين التشبيه فبعدا لكم
الثالث أن هذا باطل بسائر صفات الله تعالى سلمتموها من السمع والبصر والعلم والحياة فإنها لا تكون في حقنا إلا من أدوات فالسمع من انخراق والبصر من حدقة والعلم من قلب والحياة في جسم ثم جميع الصفات لا تكون إلا في جسم
فإن قلتم إنها في حق الباري كذلك فقد جسمتم وشبهتم وكفرتم وإن قلتم لا تفتقر إلى ذلك فلم احتيج إليها ههنا
على أن ما ثبت بالكتاب والسنة لا يدفع بمجرد هذيان متكلمكم ولا نترك قول رسول الله لقول مبتدع متكلف
ونحن لا نقبل قولهم فيما ليس كتاب فيه ولا سنة ولا لهم عندنا قدر ولا محل فكيف نقبل في إبطال الكتاب والرد على السنة مع تمسكنا بها ولزومنا إياها وعضنا عليها بالنواجذ وحرصنا عليها حرص من يقطع بأن النجاة في لزومها والعطب في فراقها والخطأ والخذلان في خلافها ونسأل الله تعالى الثبات عليها في الحياة والممات إلى يوم نلقاه فيجزينا به ويجعلنا في زمرة شارعها
وأما شبهتة في قوله كجر السلسلة على الصفا في أن هذا تشبيه فهذا اعتراض على سيد المرسلين محمد رسول الله الصادق الأمين ونسبة له إلى التمثيل والتجسيم
ومن فعل هذا فقد مرق من الدين وليس الأمر كما زعم هذا المتخرص العديم الدين ولكنه إنما أتي من فساد قصده وقلة فهمه وكم عائب قولا صحيحا وافته من الفهم السقيم
وليس هذا تشبيها للمسموع وإنما شبه السماع بالسماع أي سماعنا له كسماعنا لذلك كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام في الخبر الآخر إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته يعني أن رؤيتكم
لربكم كرؤيتكم للقمر في أنه لا يراه البعض دون البعض كالمتناول لا يحتاج في رؤيته إلى أن ينضم بعضهم إلى البعض كما في رؤية الهلال يجتمع بعضهم إلى بعض ليريه من يراه من لم يره ورؤية القمر ليست كذلك ولهذا روي لا تضامون ولا تضامون في الضيم والضم جميعا وهذا كذلك في تشبيه السماع بالسماع لا المسموع بالمسموع ومن قصد الحق أرشده الله تعالى إلى الصواب فحصلت له الحكم والفوائد من كلام الله تعالى وكلام رسوله ومن قصد غير ذلك أعماه الله تعالى عن الهدى فصار القرآن والسنة عنده شبها فضل بها قال الله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ونظير ذلك ضوء الشمس تضيء لصحيح البصر ومن ضعف بصره ومرضت عينه أعشاه ضوؤها فأعماه قال الشاعر
العلم للرجل اللبيب زيادة ** ونقيصة للأحمق الطياش مثل النهار يزيد أبصار الورى ** نورا ويعمي أعين الخفاش
وأما ما ذكر من تفاصيل شبهه الكلامية فلا نخوض معه فيها ولكن علمنا بطلانها من أصلها
وقد بينا بما سبق فساد علم الكلام من أصله وذم أئمتنا له واتفاق أهل العلم على أن أصحابة أهل بدع وضلالة وأنهم غير معدودين من أهل العلم وأن من اشتغل به يتزندق ولا يفلح
وقد ظهر برهان قول الأئمة وصدقهم في صاحب هذه المقالة فإنه أفضت حاله إلى الزندقة والبدعة حتى بدع وضلل وأبيح دمه واحتاج إلى التوبة والإقرار على نفسه بأنه كان على البدعة والضلالة وأن المنكر عليه مصيب في إنكاره عليه
وهذه المقالة من جملة الضلالات التي تاب منها والبدع التي رجع عنها
فصل
¥