وأخذ ابن عباس (ت: 68) عن أهل الكتاب مما لا يحتاج إلى إثبات، لكن الأمر الذي يحتاج إلى بحث ما ورد عنه في صحيح البخاري (ت: 256)، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرءونه محضًا لم يُشَبْ، وقد حدَّثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا، وغيَّروا، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله، ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذى أنزل إليكم «.
فما مراده من هذا النهي؟
لقد حرصت على تتبع هذا الأثر عن ابن عباس لعلي أظفر بشرح يبين مقصوده، لكني لم أظفر بشيء في ذلك، وقد اجتهدت في تبيُّن الاحتمالات التي جعلت ابن عباس (ت:68) يقول هذا، مع أنه قد ورد عنه الأخذ عن بني إسرائيل، فظهر لي منها:
أولاً: أن يكون يريد الأحكام والعقائد دون غيرها من الأخبار؛ لأن هذين الأمرين لا يجوز أن يؤخذا عن غير المعصوم في خبره.
أما الأخبار الأخرى فإنها مما لا يلزم تصديقه ولا تكذيبه، ولا يُبنى عليها علم، وليس فيها هدى، قال ابن كثير (ت: 747):» ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا قال ابن جرير 213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله هو ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال «.
ثانيًا: أن يكون رأيًا متأخرًا له.
ثالثًا: أنه رأى كثرة الرجوع إليهم، فأراد أن يسد هذا الباب.
ثانيًا: معرفة المصدر الذي نقلت منه الإسرائيلية.
ثالثًا: الموقف من كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات.
لا تخلو كتب التفسير التي تنقل أخبار بني إسرائيل من حالتين:
الأولى: أن تنقل من كتب أهل الكتاب مباشرة، كما تجده في كتاب التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (ت: 1393).
الثانية: أن تكون كتب التفسير تنقل بالرواية عمن نقل هذه الإسرائيليات، وعلى هذا أغلب كتب التفسير، كتفسير ابن جرير الطبري (ت: 310)، والكشف والبيان للثعلبي (ت: 427)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (ت: 774)، وغيرها من كتب التفسير التي تعنى بالمأثور عن السلف.
وهذا النوع من كتب التفسير قد يوجه النقد إلى أصحابها بأنهم يروون الإسرائيليات، ولا ينقدونها.
وإذا تأمَّلت هذه النقود مليًّا، وجدتها لا توجَّه إلى هؤلاء المفسرين فحسب؛ لأنهم نقلوا ما وجدوا في الآثار عن السلف، لكنه في حقيقته يعود إلى نقد منهج السلف في التعامل مع هذه الإسرائيليات، وذكرهم لها في تفاسيرهم.
إن هذا هو نتيجة نقد الكتب التي تذكر الإسرائيليات ولا تنقدها، فهل يقع اللوم على المفسر الذي نقل المرويات، أو يقع على الذين تُروى عنهم من السلف؟!
إن وجود الإسرائيليات ليس عيبًا يخدش قيمة التفسير، وليس من الأخطاء لتي يتحملها المؤلفون في التفسير حينما ينقلون ما بلغهم عن مفسري السلف، وقد أشار إلى ذكر القاسمي (ت: 1332) تحت قاعدة بعنوان (قاعدة في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات)، قال:» ... فإذً لا يخفى أن من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة، ثم ما كان منها غير إسرائيلي؛ كالذي جرى في عهده صلى الله عليه وسلم، أو أخبر عنه، فهذا تكفل ببيانه المحدثون، وقد ررو بالأسانيد المتصلة، فلا مغمز فيه.
وأما ما كان إسرائيليًا، وهو الذي أخذ جانبًا وافرًا من التنْزيل العزير، فقد تلقى السلف شرح قصصه، إما مما استفاض على الألسنة ودار من نبئهم، وإما من المشافهة عن الإسرائيلين الذين آمنوا.
¥