تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عصمنا الله وإياك أخي من الأهواء المضلة والآراء المغوية والفتن المحيرة ورزقنا وإياك الثبات على السنة والتمسك بها ولزوم الطريقة المستقيمة التي درج عليها السلف وانتهجها بعدهم صالحو الخلف وجنبنا وإياك مداحض البدع وبنيات طرقها العادلة عن نهج الحق وسواء الواضحة وأعاذنا وإياك من حيرة الجهل وتعاطي الباطل والقول بما ليس لنا به علم والدخول فيما لا يعنينا والتكلف لما قد كفينا الخوض فيه ونهينا عنه ونعمنا وإياك بما علمنا وجعله سببا لنجاتنا ولا جعله وبالا علينا برحمته

وقفت على مقالك أخي وليك الله بالحسنى وماوصفته من أمر ناحيتك وما ظهر بها من مقالات أهل الكلام وخوض الخائضين فيها وميل بعض منتحلي السنة إليها واغترارهم بها واعتذارهم في ذلك بأن الكلام وقاية للسنة وجنة لها يذب به عنها ويذاد بسلاحه عن حرمها وفهمت ما ذكرته من ضيق صدرك بمجالستهم وتعذر الأمر عليك في مفارقتهم لأن موقفك بين أن تسلم لهم ما يدعونه من ذلك فتقبله وبين أن تقابلهم على ما يزعمونه فترده وتنكره وكلا الأمرين يصعب عليك أما القبول فلأن الدين يمنعك منه ودلائل الكتاب والسنة تحول بينك وبينه وأما الرد والمقابلة فلأنهم يطالبونك بأدلة العقول ويؤاخذونك بقوانين الجدل ولا يقنعون منك بظواهر الأمور

وسألتني أن أمدك بما يحضرني في نصرة الحق من علم وبيان وفي رد مقالة هؤلاء القوم من حجة وبرهان وأن أسلك في ذلك طريقة لا يمكنهم دفعها ولا يسوغ لهم من جهة العقل جحدها وإنكارها فرأيت إسعافك به لازما في حق الدين وواجب النصيحة لجماعة المسلمين فإن الدين النصيحة

واعلم يا أخي أدام الله سعادتك أن هذه الفتنة قد عمت اليوم وشملت وشاعت في البلاد واستفاضت فلا يكاد يسلم من رهج غبارها إلا من عصمه الله تعالى وذلك مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الدين بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء فنحن البوم في ذلك الزمان وبين أهله فلا تنكر ما نشاهده منه وسلوا الله العافية من البلاء واحمده على ما وهب لك من السلامة وحاطك به من الرعاية وجميل الولاية

ثم إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار اليوم بلطيف حيلته يسول لكل من أحس من نفسه بزيادة فهم وفضل ذكاء وذهن ويوهمه أنه إن رضي في عمله ومذهبه بظاهر من السنة واقتصر على واضح بيان منها كان أسوة للعامة وعد واحدا من الجمهور والكافة فإنه قد ضل فهمه واضمحل لطفه وذهنه فحركهم بذلك على التنطع في النظر والتبدع لمخالفة السنة والأثر ليبينوا بذلك من طبقة الدهماء ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء فاختدعهم بهذه الحجة حتى استزلهم عن واضح المحجة وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها وتاهوا عن حقائقها فلم يخلصوا منها إلى شفاء نفس ولا قبلوها بيقين علم ولما رأو كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه ضربوا بعض آياته ببعض وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسنته المأثورة عنه وردوها على وجوبها وأساؤا في نقلتها القالة ووجهوا عليهم الظنون ورموهم بالتزندق ونسبوهم إلى ضعف المنة وسوء المعرفة لمعاني ما يروونه من الأحاديث والجهل بتأويله ولو سلكوا سبيل القصد ووقفوا عندما انتهى بهم التوقيف لوجدوا برد التقى وروح القلوب ولكثرت البركة وتضاعف النماء وانشرحت الصدور ولأضاءت فيها مصابيح النور والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

واعلم أدام الله توفيقك أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام وهذا النوع من النظر عجزا عنه ولا انقطاعا دونه وقد كانوا ذوي عقول وافرة وأفهام ثاقبة وقد كان وقع في زمانهم هذه الشبه والآراء وهذه النحل والأهواء وإنما تركوا هذه الطريقة وأضربوا عنها لما تحققوا من فتنتها وحذروه من سوء فيها وقد كانوا على بينة من أمرهم وعلى بصيرة من دينهم لما هداهم الله له من توفيقه وشرح به صدورهم من نور معرفته ورأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته وتوقيف السنة وبيانها غناء ومندوحة عما سواهما وأن الحجة قد وقعت بهما والعلة أزيحت بمكانهما فلما تأخر الزمان بأهله وفترت عزائمهم في طلب حقائق علوم الكتاب والسنة وقلت عنايتهم بها واعترضهم الملحدون بشبههم والمتحذلقون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير