أما محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره، فهي من أسس الإيمان وشعبه العظام، بل لا يصح الإيمان بدونها، وليس ثمة خلاف بين طوائف المسلمين، على اختلاف مذاهبهم وفرقهم، في وجوبها وأنها من فرائض الدين، وإنما الخلاف في دلائلها ومتعلقاتها.
والناس مختلفون في تحقيق المحبة بحسب إيمانهم واعتقادهم فمنهم السابق ومنهم المقتصد ومنهم الظالم لنفسه، إما بالغلو أو بالجفاء.
وأما المسائل الأخرى فالكلام فيها يطول، وكل واحدة منها تحتاج إلى تأليف مستقل ولم تكن محل تنازع بين الأئمة في القرون المفضلة، فمن ذا الذي ينازع في خيرية النبي صلى الله عليه وسلم وفضله وسيادته على سائر البشر؟
فكونه صلى الله عليه وسلم سيد الناس، محل اتفاق بين الأمة كلها، الخاصة والعامة، وقد صح فيه الخبر في الحديث المتفق عليه الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد الناس يوم القيامة ".
وكذا التبرك به صلى الله عليه وسلم هو محل اتفاق بين السلف، فقد تواتر عن الصحابة الكرام تبركهم بشعره وعرقه وتفله وثيابه صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد مماته في الأزمنة القريبة حيث يمكن التأكد من نسبة تلك الأشياء الشريفة له صلى الله عليه وسلم.
وأما في القرون المتأخرة، فمن زعم أن عنده شيئاً من ذلك فعليه الدليل، خاصة مع كثرة الكذب والدعاوى الباطلة بين الناس، وقد اجترأ كثير من المنافقين والمغفلين على الكذب على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وقولوه ما لم يقل، فأولى أن يجترئوا على الكذب في آثاره وأشيائه.
وأما زيارة قبره الشريف من غير قصد السفر فهي مستحبة عند جماهير المسلمين، وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول عند زيارة القبر: " السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يا أبابكر السلام عليك يا أبتِ " ثم ينصرف ولا يزيد على ذلك.
وأما قصد القبر الشريف بالسفر وشد الرحال إليه فسيأتي تفصيل الكلام عليه بعد إن شاء الله. وهي على كل حال ليست أصل الخلاف بين الطرفين، وإن كانت من مسائل الخلاف عند المتأخرين.
وأما التوسل والشفاعة فهما من أصول مسائل الاعتقاد، ولذا فقد تواترت فيهما النصوص الشرعية، كما سيأتي بيانه وتفصيله، والخلاف فيهما قديم من قبل الإسلام والبعثة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
وكل الذي يمكن قوله الآن، باختصار، إن التوسل والشفاعة ينقسمان إلى نوعين: شرعي، وبدعي.
1 - فالشرعي: يثبته أهل الإسلام تبعاً للنصوص المثبتة، وليس فيه بين المسلمين خلاف عدا بعض الفرق كالخوارج والمعتزلة الذين أنكروا الشفاعة في أهل الكبائر.
2 - والبدعي: وهو من سنن الجاهلية التي نقضتها شريعة الإسلام واتفق على نفيها الأئمة من السلف والخلف تبعاً لنصوص القرآن، وهي التي أحياها المخالفون وفتنوا بها كثيراً من العوام.
بقي الكلام على الاحتفال بالمولد النبوي، والكلام فيه يحتاج إلى تفصيل لا تسعه هذه الخلاصة، وحسبي أن ألخص موضوعاته في نقاط عشر:
1 - المولد النبوي نفسه، بمعنى وقت ولادته، اختلف في تحديد يومه وشهره بين علماء المسلمين ممن كتب في السير والملاحم والتاريخ، مع اتفاقهم على أنه يوم الاثنين كما ورد بذلك الخبر الصادق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - ومن دوَّن فيه وكتب من أهل العلم، فلكونه من أحداث السيرة النبوية، فيذكرون الإرهاصات السابقة لمولده صلى الله عليه وسلم ثم مولده ونشأته وحياته قبل البعثة وبعدها إلى يوم وفاته.
3 - وأما الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم فهو ممكن عقلاً لمن حضر ذلك اليوم الذي ولد فيه، وأما بعده فلم يبق إلا حدثاً وسيرة كسائر الأحداث والسير التي مرت في حياته صلى الله عليه وسلم.
4 - ومعلوم أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم امتدت ثلاثة وستين عاماً، منها أربعون قبل البعثة وثلاثة وعشرون بعدها، فكل يوم فيها هو يوم من حياته الشريفة المباركة ولا يقل شرفاً ولا أهمية عن يوم ولادته بل قد يفضل عليه، كيوم بعثته مثلاً.
5 - والاحتفال بمولده بمعنى إحياء ذكرى ذلك اليوم واتخاذه عيداً يتكرر على الدوام، لم يفعله صاحب الشأن نفسه ولم يرغب فيه حتى مات صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله صحابته الكرام ولا أزواجه ولا أهل بيته ولا التابعون ولا أتباعهم ولا الأئمة الأعلام.
¥