تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:10 ص]ـ

لطائف قرآنية من قصة موسى في سورة القصص (1)


قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
1 ـ إن من فطنة العدو أو الحاكم الظالم الجائر أن يجعل أهل الدولة التي يتسلط عليها شيعًا، يستعين بإحداهن على الأخرى، وذلك الديدن تجده اليوم في تسلط العدو على العراق، وكيف استفاد من جعل أهلها شيعًا، فاستضعفوا طائفة على حساب قوة طوائف أخرى.
2 ـ عبَّر عن الذبح بالفعل المضارع المضعَّف، وفي ذلك فائدتان:
الأولى: أن المضارع يفيد حدوث هذا الذبح وتجدده مرة بعد مرة، كلما جاء موجبه، وهو ولادة المولود الذكر من بني إسرائيل.
الثانية: أن في التضعيف إفادة التكثير، أو المبالغة في هذا الفعل.
3 ـ قابل الأبناء بالنساء، وفي ذلك سرٌّ لطيف، فإنه إنما يستفاد من إبقاء البنات إلى أن يكبرن، ويصرن نساءً يستطعن الخدمة عند فرعون وقومه، أما في حال صغرهن فلا يُستفاد منهن، وقد تنبَّه إلى هذا المعنى ابن جريج المكي (ت: 150) ففسَّر هذا المعنى فقال: ((قوله: {ويستحيون نساءكم} قال: يسترقون نساءكم))، فذهب إلى لازم إبقائهن احياء كما أشار إليه قوله تعالى (نساءكم)
3 ـ إن الفساد في فرعون متأصل ومستمرٌّ؛ لذا جاء التعبير عن إفساده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستقرار (إنه كان من المفسدين)، وأكِّدت هذه الجملة بحرف التأكيد (إنَّ).
قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون)
1 ـ جاءت الأفعال: (نريد، نمن، نجعلهم، نمكن لهم) على صيغة واحدة، وهي الفعل المضارع المبدوء بنون العظمة، والدال على الاستقبال، وفيها إشارة إلى الاختيار الإلهي المحض لهؤلاء القوم في أن ينصرهم الله ويمكنهم ممن اضطهدهم وآذاهم، لكن متى حصل لهم؟
لقد عاشوا أول أمرهم مضطهدين من فرعون وقومه، ثمَّ أنقذهم الله بموسى وهارون، ولكن ذلك الجيل الذي عاش حياة الذل لمَّا يتأدب بأدب النبوة، ويتربَّى بترتبية الرسالة الموسوية؛ إذ لما طُلِب منهم ـ بعد خروجهم من مصر ـ أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ترددوا، وراجعوا موسى في ذلك، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). يا للخزي والعار لقوم يقولون لنبيهم هذا القول.
إن هذا الجيل المهزوم لم يكن له شرف حمل الرسالة، والحصول على الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم فترة من الزمن، فضرب الله عليهم عقوبته بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة، عاشوا فيها، فمات من مات من جيل الهزيمة، ووُلِد جيل عاش شظف العيش، ومارس شدائد الحياة الصحراوية، فكان الفتح على يديه بعد أن انتقل موسى وهارون إلى الرفيق الأعلى في زمن التيه، فانظر؛ كم الفرق بين الوعد وتحقيقه؟ ولكن الناس يستعجلون النصر.
وإذا تأملت واقعنا اليوم وجدتنا نعيش شيئًا من واقع تلك الأمة المخذولة التي ضُرب عليها التيه، واستكانت للراحة والدعة، وكرهت معالي الأمور التي لا تأتي إلا بعد الكدِّ والجدِّ والتعب، فلا ترانا نزاحم على القوة العظمى، ونقنع بالدون والهوان، فأخشى أن نكون ـ ونحن بهذا الحال ـ لسنا جيل النصر، والله غالب على أمره، والأمر كما قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، ولن يأتي ذلك إلا بالتغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فإذا حصل ذلك جاء الجيل الذي أشار اله إليه بقوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير