تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فأسأل الله العظيم أن لا يحرمنا فضله، وأن يجعلنا ممن يُؤتاه.

2 ـ في الفعل (نُري) من قوله تعالى (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قراءتان: (نُري) (يَرى)، ومؤدى المعنيين في القراءتين واحد، فهو سبحانه يريهم فيرون، فالفعل من الله ابتداء تقدير، ومنهم تحقق وحدوث.

3 ـ في قضاء الله لطف وخفاء عجيب لا يمكن إدراكه إلا بعد وقوعه، فانظر كيف توعَّد فرعون وهامان وجنودهما، فقال: (ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)، فقدَّر الله ـ من حيث لا يشعرون، ولا يستطيعون ردَّ قضائه مهما بلغوا من قوة أو علم ـ أن يكون بيت فرعون حاضنًا لعدوِّه الذي سينهي أمره، فبالله عليك، أترى قوة في الأرض تستطيع إدراك هذا القدر قبل وقوعه، فتتقيه، وتأمل ما يقال ـ بغض النظر عن دقته وصحته ـ من مساعدة أمريكا للأفغان في حربهم على الروس، وكيف انتهى الأمر بأولئك أن حاربوا أمريكا التي كانت تمدهم بالسلاح، ولله فيما يقدر أسرار ولطائف.

ولو قرأت في التاريخ، ونظرت في قصص من حولك، لوجدت مثل تلك الصورة، فكم من امرئ أنعم على عبد من عباد الله، وكان ذلك العبد سببًا في هلاكه وزوال أمره وموته؟

قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)

1 ـ لقد جاء الولد المختار من بني إسرائيل الذي سيكون هلاك فرعون وقومه على يديه، جاء وهم يقتلون الأبناء، فانظر لطف الله، ورعايته، ودقيق قدره في تخليص موسى عليه السلام من القتل؟

2 ـ أرأيت لو كنت متجرِّدًا من معرفة ذا الخبر، وقيل لك: إن امرأة وضعت ابنها في تابوت، وألقته في النهر، تريد له الأمان، أفكنت ترى ذلك من العقل والحكمة في شيء؟!

إن هذا الموضوع لو كان عُرِض عليَّ وعليك، لقلنا: إنه مجانب للعقل والحكمة.

لكن الذي أمر بذلك هو من يعلم السرَّ وأخفى، ألقته في اليمِّ، وسار التابوت برعاية الله له، فهو الذي أمر، فأنَّى لمخلوق أن يؤذي هذا الرضيع، وتابوته يتهادى بين مياه النهر؟!

3 ـ إن في إرضاعها لموسى أول الأمر سرٌّ لطيف، وهو أن هذا الطفل سيتذكر ذلك الثدي الذي أرضعه الحليب أول مرة، فإذا عُرض على المراضع لم يأنس بها، وانتظر ما بقي في ذاكرته الطفولية من ذلك الثدي الأول؛ إنه إلهام الله، وتقديره الخفي الذي لَطُف فدقَّ، ولَطَفَ فرفق.

4 ـ اشتملت الآية على لطائف من تنويع الخطاب، ففيها أمران (أرضعيه، فألقيه)، وفيها نهيان (لا تخافي، ولا تحزني)، وفيها بشارتان (رادُّه، وجاعلوه).

5 ـ اشتمل النهيان على الماضي والمستقبل، فقوله: (لا تخافي) أي عليه فيما يستقبله من قدر، وقوله (ولا تحزني) على فقده.

6 ـ تأمَّل البشارتين كيف جاءتا مؤكَّدتين تأكيدًا بليغًا يتناسبان مع موقف تلك الأم المفطورة في ولدها (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فإن للتوكيد، ومجيء (رادوه، وجاعلوه) على اسم الفاعل بدلاً من الفعل لتكون الجملة اسمية، فتدل على الثبوت.

يالَ قلب تلك الأم المسكينة، ألقت ابنها في اليم، وأصبح قلبها خاليًا من كل شيء سوى ذكر موسى، فكادت ـ ولم تفعل ـ أن تخبر بأنه ابنها، وليكن ما يكن، لكنَّ لله أمرًا لابدَّ أن يمضي على تقديره، فربط على قلب الأم؛ ثبَّتها وصبَّرها حين لات صبر، ثم بدأت تفعل الأسباب، فقالت لأخته: اتبعي أثره، وانظري أمره، فكان ما كان من رجوعه، وتحقق وعد الله لها، فيالها من فرحة عاشتها أم موسى، وهنيئًا لها البشارة الثانية بالرسالة.


الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار
الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
[email protected]
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4114

ـ[نياف]ــــــــ[24 - 11 - 05, 12:13 ص]ـ
تصنيف العلوم المتعلقة بعلوم القرآن

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير