وفيه: أن الأرضين السبع طباق؛ كالسموات، وهو ظاهر قوله تعالى: ((ومن الأرض مثلهن))؛ خلافاً لمن قال إن المراد بقوله: ((سبع أرضين)) = سبعة أقاليم؛ لأنه لو كان كذلك لم يطوَّق الغاصب شبراً من إقليم آخر، قاله بن التين.
وهو والذي قبله مبني على أن العقوبة متعلِّقة ٌبما كان بسببها، وإلا مع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه)).
• قال أبوعمر السمرقندي: فظواهر أدلة الشرع القويم دالة على ما قرَّرته سلفاً، وهي أدلة بيِّنة واضحة جليَّة.
• وأما أدلة العقل الموافقة للنقل:
• فأن يطالب من زعم أنَّ الأرض ثلاث طبقات أو طبقة واحدة، أو أقل، أو أكثر؛ بل في كل نظرية عموماً = بالبرهان على ما ذكر.
والدعاوى إن لم يكن عليها بيِّناتٍ ••• أصحابها أدعياءُ
• فإن زعم أنها نظرية فهذا موضع إشكال؛ إذ ما من نظريِّة إلاَّ ولا بد أن تقترن بقرائن تشهد لها، وإلاَّ فإنَّ كثيراً منها عند التمحيص لا يعدو عن كونه خرافة أو أسطورة.
• ذلك أنَّه ليس من إنسانٍ قد تعمَّق في بطن الأرض وانتهى إلى مركزها، وحسب أثناء رحلته طباقها، ولا يقول بهذا أحدٌ من العالمين!
• ثم إنَّ مما يقوِّي الظن ببطلان هذه النظرية - بصرف النظر عن مناقضتها لأدلة الشرع - أنه لا يحصى كم من نظرية أو خبر أطلقه هؤلاء الفرنجة ومن نحا نحوهم ثم تبيَّن بعد حين أنهم غالطون فيما زعموا؛ إما لكذبٍ اجترؤا عليه، وإما لخطأٍ في الحساب والتقدير والخرص؛ وهذا كثير وارد، والتمثيل لهذا أكثر من أن يتسع له هذا المقال.
• ولعلَّكم قد سمعتم عن إنجازهم - وليست نظريتهم - الذي زعموه؛ وهو صعودهم على القمر فإذا أحد علمائهم يكذِّب ما زعموه جملةً وتفصيلاً، ليس اعتباطاً؛ بل بأدلِّة هم أول المؤمنين بها.
• أضف إلى ما تقدَّم جهل الإنسان بكثير مما خلق الله عزوجل في هذا الكون، وما زال هؤلاء الفرنجة يجهلون كثيراً من الأمور التي على ظهر الأرض بلْه باطنها بلْه المغيَّب منها.
• فأين سدُّ يأجوج ومأجوج؟ وأين جزيرة الدجَّال؟ وأين عرش إبليس؟ وأين الدواء الناجع لمرض الإيدز الخبيث - أجارنا الله وإياكم منه ومن أسبابه -؟! وأين علاج السكري؟ وما خبر مثلَّث برمودا الذي زعموه، والله أعلم بحاله، وما خبر الأطباق الطائرة؟؟
وأين، وأين، وأين؟
• وأما خطؤهم في الحساب فكذلك حدِّث ولا حرج؛ فكم من صاروخ ذكي قد أطلقوه، وحدَّدوا هدفه (بدقَّةٍ متناهيةٍ) فإذا به من أغبى صواريخهم، أصاب الجار وتخطَّى الهدف، أو ضلَّ ولا يعرفون له خبراً!!
• ولعلكم سمعتم بخبر انفجار مركبتهم (تشالنجر) = التحدي!، الذي أطلقوه فانفجر خاسئاً، وبطل التحدِّي، وصارت أثراً بعد عين .. أمام عدسات المصوِّرين!
• وأما جهلهم بكثير من الظواهر الكونية (الجيولوجية وغيرها) فهذا حدِّث به ولا حرج؛ فمثلاً: كم هي قدرتهم على معرفة الزلازل والبراكين والفيضانات قبل وقوعها، وفي فيضانات أوربا القريبة خير برهان.
• وأما غلطهم في سنِّ القوانين الجنائية وغيرها، مما يحكم معاملة الناس بعضهم مع بعض وإعراضهم عن حكم الله؛ ثم ما أعقب ذلك التشريع من كوارث ومصائب = فهذا معلومٍ جليٌ واضح، وكم سمعنا وقرأنا تحسُّر هؤلاء على ما وصل به حالهم ...
• قال أبو عمر: لا ننكر أنَّ الإنسان قد أوتي من العلم في هذه العصور المتأخرة ما سبق به الزمن - إن صح التعبير - لكن سمة الجهل لاصقة به؛ لإنه إنسان جهول ضعيف.
• ولا ننكر أنَّ هؤلاء الفرنجة قد أصابوا في كثيرٍ من دراساتهم العلمية التطبيقية الواقعية.
• لكن الكلام على نظريَّاتهم المظنونة، البعيدة عن الاستهداء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم.
• ثم أنهم أصحاب مادة وحسٍّ؛ لا يؤمن أكثرهم بالمغيَّبات - كالملائكة والجن (والله عزوجل) - فتراني أحاكمهم إلى ثوابتهم ومنطلقتهم المادية؛ فلا أصدِّقهم فيما زعموه إلاَّ ببرهانٍ مادي واضح، فلا أخدع نفسي وأغمض عيني عن وهاء تلك القرائن.
• فإن أصرُّوا على كون هذه نظريات إن لم تصدَّق فلا تكذَّب على أقل الأحوال فإني أطالبهم بمثل هذا في إنكارهم للجن (وتلبُّسه بالإنسي) أو الملائكة أو عذاب القبر ونعيمه أوأكبر شيءٍ (وهو الله عزوجل) أو .. أو .. ؛ أمور كثيرة قد دلَّت عليها القرائن والآيات الكونية - دعك من الآيات الشرعية - ولا يؤمنون بها.
• بل إنَّهم ينفجرون ضحكاً واستخفافاً بعقول من آمن بمثل هذه الخرافات والأساطير؛ تعالى الله عن إفكهم علواً كبيراً.
• ثم أضف إلى جميع ما تقدَّم أنَّ الله يشاء بحكمته إبانة بعض ما كان خفياً في الأزمان السابقة ثم يظهر بأدلة الحس صحة ما ذكره في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر فرناً، وهو ما يطلق عليه البعض بـ (الإعجاز العلمي) في القرآن، مع صرف النظر عن صحة ذا الإطلاق، وهذا مما يؤيِّد كذبهم في هذه النظرية.
•• قال أبو عمر السمرقندي رضي الله عنه: فأستخلص مما تقدَّم أنه ما من نظرية يطلقها هؤلاء إلاَّ ونسبة الخطأ فيها وارد، ثم تصير نظريتهم غلطاً قحاً خالصاً بورود النص من الكتاب أو السنة الصحيحة.
• ولقد كان من الأسلم للمرء المسلم أن لا يكذِّب بما يطلقه هؤلاء إن لم يكن منافياً لنقلٍ ولا لعقلٍ وقد قارنته القرائن الصحيحة؛ أما حين وجود النص فلا كلام في بطلان ذي النظرية، ولا نؤمن بها ولا كرامة.
• قال الله عزوجل: ((وقد كفروا به من قبل (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) • وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فُعِل بأشياعهم من قبل إنِّهم كانوا في شكٍ مريبٍ)).
• وانا بانتظار اشكالاتكم - إن كانت ثَمَّة - أيها السادة!
والله تعالى أعلم، والحمدلله رب العالمين.
• الحلقة القادمة: الكلام على فِرية (العصر الحجري والديناصورات)!
¥