ثانياً: لن اتطرق إلى ادخال تفسيرات مفصلة للفيزياء حتى ولو كان فيها بعض الحق لأنني لا حظت ان هذا يسبب لبساً على غير المتخصص.
ثالثاً: مسألة أن الله لم يكن معه شيء قبل الخلق أمر واضح ويبدو انك لم تدرك حقيقة عبارتي حيث أنني قلت:
"ففي الحديث لم يكن هناك مع الله قبل الخلق أي شيء لا سماوات ولا أراضين ولا أي شيء ولا حتى الزمان والمكان لأننا نعلم أن الله لا يفتقر في وجوده إلى زمان او مكان"
وواضح من العبارة الملونة بالأحمر أنني أقصد "قبل الخلق" ويدخل في ذلك العرش والماء والسماوات والأرض وكل شيء لقوله صلى الله عليه وسلم:"كان الله ولم يكن شيء قبله" وأما وجود العرش والماء فلم يكن إلا بعد خلق الله لهما فيكونان موجودان مع الله بعد أن خلقهما الله تعالى.
والخلاصة هي لاحظ أنه يدخل في قولي:"قبل الخلق" كل مخلوق العرش والماء وغيرهما.
أما المسألة الثانية: فهي أن الزمان والمكان بالفعل لم يوجدا إلا بعد خلق السماوات والأرض وواضح من كلامي السابق أن العرش والماء متقدمان على وجود السماوات والأرض وإن كانا العرش والماء لم يوجدا مع الله منذ الأزل لأنهما مخلوقين ومن أسماء الله تعالى "الأول" وهو الأول فليس قبل شيء ولا يلزم من كون اسمه "الخلاق" أن لا يكون الله هو الأول لأن المخلوقات ستكون مشاركة لله تعالى في الأولوية والأسبقية الأزلية ولذلك فوصف الله بكونه "الخلاق" يستلزم أن يكون الله هو "الأول" المتقدم على مخلوقاته جميعها وهذه الصفة لا تحيط بها العقول ولا تدرك مداها فسبحانه عز وجل.
الشاهد أن هناك فرق بين كون الله متصفاً بكونه "الخلاق" وبين أن يلزم من ذلك أن تكون المخلوقات مشاركة لله في الأولوية الأزلية والأسبقية التي لا مبدأ لها ولذلك جاء عند البخاري بلفظ آخر يزيل اللبس أنه عليه الصلاة والسلام قال:": (اقبلوا البشرى يا بني تميم). قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض). فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها"
فهذا الحديث مروي بلفظ آخر يوضح اللبس الذي نتج عن فهمك للفظ الأول كما ترى. ففي الحديث الثاني واضح أنه لم يكن مع الله شيء أبداً والخلق كله بما فيه الزمان والمكان لم يوجدا إلا بعد خلق الله لهما وكل مخلوق علمناه أو لم نعلمه لم يكن مع الله منذ الأزل كما هو واضح من قوله صلى الله عليه وسلم:"ولم يكن شيء غيره" ونص الحديث واضح وضوح الشمس ومع هذا اتصف الله بكونه "الخلاق" ولا منافاة لأن الأمر هنا متعلق بالأسبقية والأولوية الأزلية.
هذا من جهة أما من جهة كلام ابن تيمية الذي أوردته فأعرفه وقد قرأته ولا منافاة بينه وبين كلامي المبني على الأدلة بل إن معظم فهمي وعلمي مستقى من كلام ابن تيمية وبه أصيغ عباراتي وحججي. أما مقصدي من كونه لم يكن هناك قبل السماوات والأرض أي مخلوق فذلك باعتبار الأولوية الأزلية التي لا يتصف بها إلا الله وكل المخلوقات حتى المادة التي حدث لها "الفتق" فهي تالية آتية بعد "الأول" الذي هو الله وإلا قلنا أن الكون أزلي وهذه من أقوال الملاحدة كما تعلم. ولعلي لم أصوغ عبارتي بدقة كافية وإلا ففي حقيقة الأمر فإني لا أدين الله إلا بقوله صلى الله عليه وسلم:"كان الله ولم يكن شيء غيره".
كما أنني لم أذكر بالنص هكذا أن الله أوجد السماوت والأرض من لاشيء وإنما أوضحت أن الله أوجدهما من عملية الفتق. وأما الزمان والمكان اللذين أقصدهما فهما الليل والنهار والساعات والدقائق والعلو والسفول واليمنة واليسرة فكل هه مقادير لا وجود لها قبل خلق السماوات والأرض ولا نجزم بغير ذلك لأن لا دليل صريح صحيح على ذلك. ولذلك استوى الله على العرش بعد خلق السماوات والأرض كما في قوله تعالى:"ثم استوى على العرش" ولم تتحدد الجهات والأمكنة إلا بعد خلق الله لها ولذلك لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الجارية؟ أين الله قالت:"في السماء"، أما الخوض في الكيفية فهذه مسألة أخرى وعلم لم نؤمر بالتنقيب
¥