تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عنه.

اللهم إلا إذا كنت تصر أن هناك زماناً ومكاناً غير اللذين أقصدهما فأخبرنا بهما وهات الدليل الشرعي على ذلك ولكن بشرط أن لا يكونا موجودين مع الله من الأزل فتخالف نص الحديث الآخر:"كان الله ولم يكن شيء غيره".

وأما المادة الأولية التي جعل الله منها عملية "الفتق" ثم خلق منها السماوات والأرض فإننا نقول أن الله هو الذي خلق وأوجد أصل تلك المادة ولا يمكن أن تكون مادة الخلق مشاركة لله تعالى في صفة الأزلية لأنه هو "الأول" فليس قبله شيء ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"كان الله ولم يكن شيء قبله" وهذا يتعلق بالأسبقية، وفي اللفظ الآخر أيضاً:"كان الله ولم يكن شيء غيره" وهذا يتعلق بالمشاركة والمعية. إن الله تعالى خارج حدود الزمان والمكان ولذلك يقول تعالى:"وهو بكل شيء محيط" فلا يحيط به شيء جل في علاه، وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية:"والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه" ومعلوم أن الزمان والمكان مخلوقان ولايحتاج لهما إلا الكائنات الحية لتستمر في وظائفها العضوية وتستقر بهما أمور العالم المخلوق جمادات وحيوانات، أما الله فلا حاجة به إليهما ولكننا نقول بعد أن خلق الله مخلوقاته أن الله تعالى مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه وهو مستوٍ استواء يليق بجلاله.

وفي الختام، وبعد أن أزلت اللبس الذي انتابك عن كلامي أورد عليك كلام ابن تيمية الذي وضعته أنت وستجد أن كلامي مطابق لكلام بن تيمية ولله الحمد وسوف أقوم بتلوين العبارات التي وافقت فيها ابن تيمية في هذه المشاركة ومشاركاتي السابقة مع الأخذ في الاعتبار إزالة اللبس الذي صنعته هنا ودفع الوهم الذي توهمته عن كلامي السابق:

وهذا نص ابن تيمية الذي وضعته أخي مجدي:

"وأما كون السماوات والأرض مخلوقتين محدثتين بعد العدم فهذا إنما نازع فيه طائفة قليلة من الكفار كأرسطو وأتباعه، وأما جمهور الفلاسفة مع عامة أصناف المشركين من الهند والعرب وغيرهم ومع المجوس وغيرهم ومع أهل الكتاب وغيرهم فهم متفقون على أن السماوات والأرض وما بينهما محدث مخلوق بعد أن لم يكن ولكن تنازعوا في مادة ذلك هل هي موجودة قبل هذا العالم وهل كان قبله مدة ومادة أم هو أبدع ابتداء من غير تقدم مدة ولا مادة، فالذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله كما أخبر في القرآن أنه، استوى إلى السماء وهي دخان، أي بخار، فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها، سورة فصلت 11 وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء كما قال تعالى، وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، سورة هود 7 وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، والشمس والقمر هما من السموات والأرض وحركتهما بعد خلقهما والزمان المقدر بحركتهما وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما إنما حدث بعد خلقهما وقد أخبر الله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر، وهذا مذهب جماهير الفلاسفة الذين يقولون إن هذا العالم مخلوق محدث وله مادة متقدمة عليه لكن حكي عن بعضهم أن تلك المادة المعينة قديمة أزلية وهذا أيضا باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع فإن المقصود هنا إشارة مختصرة إلى قول من يقول إن أقوال هؤلاء دل عليها السمع"

أما بخصوص الزمان الذي عبر به القرآن عن خلق السماوات والأرض كقوله تعالى:"في ستة أيام" فهوكما ذكره شيخ الاسلام زمان مختلف فقط ولكن لم يقل أنه غير مخلوق كما أن شيخ لم يشر من بعيد ولا من قريب إلى أن الزمان المذكور أزلي وغير مخلوق وإنما فقط أشار إلى كونه:"مقدر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر" وكل حركة تستلزم جسماً وكل جسم مخلوق كما هو معلوم بالضرورة وكل مخلوق فالله تعالى قبله لأنه هو "الأول" فليس قبله شيء.

وعليه أيضاً فعلماء الفيزياء المعاصرون مثل كبيرهم جون ويلر وجمهور العلماء على أن الكون نشأ من أصل واحد وهي تلك المادة التي ذكرت أخي مجدي ... المادة التي نشأ منها "الفتق". والفرق بيننا وبينهم أننا نؤمن بأن الله خلقها وهم يؤمنون بأنها أزلية. ولذلك فالإشكالية حقيقة هي في عدم إطلاعك الكافي على كتب "أصول" مؤلفات الفيزياء كما أنك أضفت إلى ذلك أنك اجتزأت من كلام ابن تيمية رحمه الله أعلاه حيث قمت بتلوين ما يوافق رأيك وتركت تلوين الجزء الذي يوضح الصورة كاملة.

قال الإمام القرافي_ رحمه الله تعالى _ في كتابه الذخيرة (5/ 502): (وكم يخفى على الفقهاء والحكام الحق في كثير من المسائل بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الإطلاع على العلوم ما أمكنهم ذلك. فلم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير