ومن العجيب أن المحقق الغماري اعترض على قول أبي عبيد القاسم بن سلام بأنها حق لرواية الثقات لها فقال:" لكن العقيدة لا يكفي فيها رواية الثقات، بل لابد من خبر يفيد اليقين"
والمقصود أن العمل بخبر الآحاد في المسائل العلمية والعملية محل قطع وإجماع عند أئمة أهل السنة، بخلاف ما قال الجويني والذي يلزمه الدخول في قول ابن عبدالبر (إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع، شرذمة لا تعد خلافاً)
ولا يعني كلام الجويني الأخير انه لا يرى أن خبر الواحد حجة في العمل بل هو يراه حجة ولكن ليس العمل به مستفاد من الخبر نفسه وإنما لإجماع الصحابة على العمل بخبر الآحاد دون الاعتقاد به!
وليت شعري هل يعلم صحابياً فرق في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بين المسائل العلمية والعملية فرد ذاك وقبل هذا؟
ثم الذي يعمل بالحديث ألا يعتقد ما فيه أم أنه يعمل بدون اعتقاد؟
فالتسوك –مثلاً- من غير اعتقاد استحبابه لا يعد أمر شرعياً بل يجب اعتقاد استحبابه فهل يحتاج هذا للتواتر؟
وهنا نشير لملاحظة: وهي أن المتكلمين مضطربون في تقريراتهم تجد في كتاب ما يخالف الآخر وينقضه بحسب ما يصل له عقله لذلك لا نستغرب أن نجد في مواضع من كتبه أن حديث الآحاد قد يحصل به العلم إذا أتحف بالقرائن-وهذا صحيح- ثم نجد موقفه يختلف من الخبر المتلقى بالقبول هل يعتبر ذلك قرينه عنده فتارة يجعله قرينه وتارة لا يجعله قرينه.
والله أعلم
.
.
(شعر [النص الذي لا يقبل التأويل عند الجويني!])
قسم الجويني اللفظ إلى مجمل وما ليس بمجمل، وقسم ما ليس بمجمل إلى:
1 - ظاهر وهو ظني الدلالة
2 - ونص وهو قطعي الدلالة
وهذا موضع اتفاق الجميع أنظر مختصر الصواعق ص50
وما يهمنا هنا هو النص القطعي الدلالة وقد عرفه الجويني اصطلاحاً:
((مالا يتطرق إلى فحواه إمكان التأويل)) البرهان 1/ 512
و أيضا: ((ما أرتفع بظهوره عن الإحتمال)) الكافية ص48
وللنص عنده مرتبتان: مرتبه عليا ومرتبه أقل منها
والمرتبة العليا من النص هي التي يقتضي فيها النص معناه بنفسه قطعاً دون حاجة لقرينه.
بل إن القرينة الحالية والمقالية لا تأثير لهما فيه، وذلك كذكر عدد في اللفظ المعدود
فإذا قلت مثلاً:
عندي ألف ريال فهذا نص في أنك تملك ألف ريال
ولا يجوز البتة حمل اللفظ على معنى آخر، فلا تؤثر في هذا القول القرائن ولا يتطرق إليه الاحتمال فلا يمكن حمله على أنك تملك أقل من الرقم المذكور إلا إذا كان القائل يهذي!
أو قال كلامه في حالة ذهول أو غفلة! أو ربما يكذب!!
إما إذا انحسمت هذه الاحتمالات فهذا اللفظ في المرتبة العليا من النص.
يقول الجويني: (( .. اللفظ إذا كان في اقتضاء معناه من عموم أو خصوص أو ما عداهما بحيث لا يفترض انصرافه عن مقتضاه بقرائن حالية، وفرض سؤال، وتقدير مراجعة واستفصال، في محاولة تخصيص أو تعميم فهو الذي نعنيه، ولا يتطرق إلى هذا القسم إلا إمكان إنطلاق اللسان بكلمة في غفوة أو غفلة وهو الذي يسمى الهذيان، أو محاولة تقويم اللسان على نضد حروفها.
فإذا فرض انتفاء تخيل الهذيان به والتفاف اللسان وقصد الحكاية ومحاولة تقويم نظم الحروف وتحقق قصد مطلق اللفظ إلى استعماله في معناه الموضوع له،
فلا يتصور وراء ذلك انحراف اللفظ، وانصرافه عن معناه الذي وضع له، وهذا (مميز كذكر عدد في اللفظ معدود) فإنه ناص في المسميات المعدودة لا محيد عنها بتخيل قرينة، وكذلك مالا يتطرق إليه تأويل، فهذا طرف والمقصود منه رمز إلى المرتبة العليا في النص لا استيعاب الأقسام)) البرهان ج1 ص328 - 330
ولكن الجويني خالف مذهبه في أن العدد نص في المعدود وأنه في المرتبة العليا من النص في قوله تعالى: ((ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ))
فيدي مثنى فلا بد من إثبات يدين لله تعالى ولكن الجويني أول هذه الصفة بمعنى القدرة (الإرشاد ص156) والله كما هو مذهبه له قدرة واحدة، يقول الجويني: ((وهو العالم بجميع المعلومات بعلم واحد والقادر على جميع المخلوقات (مميز بقدرة واحدة))) الإرشاد ص136
فتأويله اليدين بمعنى القدرة كأنه يقول يجوز إطلاق المثنى والمراد به المفرد!
¥