أي يلزمه أن لا يكون العدد نصاً أو يلزمه أن يثبت يدين لله ليستقيم منهجه، إلا إذا كان يرى القائل يهذي! تعالى الله عن ذلك وهذا كذلك يلزمه في قوله تعالى: ((بل يداه مبسوطتان))
ثم أنه قد فسر المثني بمقتضى الجمع وهو قوله تعالى ((والسماء بينها بأيد))
فأيد عند المحققين من أهل السنة تعني القدرة لأنها جمع، قال ابن خزيمة رحمه الله:
((وزعم بعض الجهمية: أن معنى قوله: خلق الله آدم بيديه أي بقوته، فزعم أن اليد هي القوة، وهذا من التبديل أيضاً، وهو جهل بلغة العرب، والقوة إنما تسمى الأيد في لغة العرب لا اليد، فمن لا يفرق بين اليد والأيد فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة.
وقد أعلمنا الله ـ عز وجل ـ أنه خلق السماء بأيد، واليد واليدان غير الأيد، إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء، دون أن يكون خص خلق آدم بيديه لما قال لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ)) انظر التوحيد (1/ 99)
والمقصود: أن التثنية في الجمع دليل إلى إثبات يدين، فأعرض الجويني عن مقتضى الدلالة من هذا العدد، إلى معنى هو أليق بالجمع في قوله تعالى (بأيد)، ثم شفع هذه الحيدة عن حقيقة التثنية إلى شيء عجيب بقوله (قدرة واحدة، وعلم واحد، وقال أيضاً بسمع واحد وإرادة واحدة وعلم واحد، فراراً من إثبات إنه تعالى: لا يزال يقدر ويسمع ويبصر ويريد ويتكلم إلى غير ذلك من تعطيل أفعال الباري عز وجل، وما ذاك إلا من الإعراض والخلط بين المقتضى اللازم من النص على التثنية ومقتضى الفرق بين التثنية والجمع، ثم شفع ذلك بإفراد باطل عطل به صفات الباري عز وجل
.
.
(شعر [يتبني قول المعتزلة في الاستواء])
كانت -ولاتزال- آيات الاستواء من أشد الآيات على الجهمية وقد حاولوا تحريفها حتى قال مؤسس منهجهم فيها: ** ... لو وجدت سبيلاً إلى حكها لحككتها من المصاحف} يقصد: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أنظر خلق أفعال العباد للإمام البخاري ص38 ط دار الجيل.
أما من أتبعوا طريق جهم من بعده فلم يستطيعوا أن يعلنوها صريحة بحكها من المصحف بل بكل خبث حاولوا تحريفها لفظاً أو معنى.
فمن ذلك أنهم أضافوا لها لاماً لتصبح استولى و هيمن وقهر العرش .. !
وكأن العرش كان في ملك آخر سواه ثم تم له انتزاعه منه والاستيلاء عليه!!
وليس في كلام العرب ألبته استوى بمعنى استولى ولا نقله أحد من أئمة اللغة الذين يحتج بهم ويعول على قولهم بل المنقول عنهم بالإسناد الصحيح أن المعتزلة طالبوهم أن يوجدوا لهم في لغات العرب ذلك ولكنهم أنكروا ذلك غاية الإنكار.!!
فقد أخرج الخطيب البغدادي في "تاريخه" (5/ 283) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (399) بسند (مميز صحيح) عن ابن الأعرابي (وهو إمام في اللغة) رحمه الله قال:
((أرادني ابن أبي دؤاد [شيخ المعتزلة] أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها:
((الرحمن على العرش استوى)) استوى بمعنى استولى.
فقلت له: والله ما يكون هذا، ولا وجدته)) أ. هـ
وكذلك ما أخرجه الخطيب في "تاريخه" (5/ 284) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (393) والذهبي في العلو ص133 وعزاه ابن حجر للهروي في "الفاروق" (الفتح 13/ 406) وذكره ابن منظور في لسان العرب (14/ 414) بسند صحيح
أن ابن الإعرابي أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)) قال: هو على العرش كما أخبر.
فقال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى.
فقال: اسكت لا يقال استولى على الشيء حتى يكون له مضاد، إذا غلب أحدهما قيل استولى .. )) ألخ
وهكذا على هذا مضى سلف الأمة من صحابة وتابعين وأئمة الهدى المتقين بدون الدخول في متاهات المتكلمين الحيارى بل حتى متقدمي الأشاعرة ذموا هذا التحريف مثل أبو الحسن الأشعري أنظر الإبانة ص 120و مقالات الإسلاميين 157 و 211 ورسالته لأهل الثغر ص233 - 234 وكذلك تلميذ الأشعري أبو الحسن الطبري الذي رد على البلخي المعتزلي في تحريفه للإستواء بالاستيلاء انظر تأويل الأحاديث المشكلة وكذلك الباقلاني أنظر التمهيد ص262 والبيهقي و غيرهم
إلا أن الجويني تبنى قول المعتزلة
يقول الجويني: ((المراد بالأستواء القهر والغلبة والعلو .... ومنه قول الشاعر: قد استوى بشر .. )) لمع الأدلة ص95
¥