ويقول في موضع آخر ((لم يتمنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة، وذلك شائع في اللغة)) الإرشاد ص40
وفي الشامل كذلك بعد أن أقر هذا التأويل تجد يستشهد بالبيت الذي يستشهد به المعتزلة: ((قد استوى بشر على العراق .. )) الشامل ص553
ولهذا نجد الجهمية المعاصرين المنتسبين للأشعري كالحبشي يجعلون هذا التحريف من أحسن التأويلات إذ يقول الحبشي عنه: ((أحسن التأويلات وأقربها إلى الحق وأشرفها))
وكذلك يقول السقاف بصريح العبارة: ((و أما رد الإمام أبي الحسن الأشعري تفسير الاستواء بالاستيلاء فنحن لا نوافقه في ذلك أبداً، ونقول إنه قال ذلك بسبب ردة فعل حصلت عنده من المعتزلة، وهم وإن لم نوافقهم في كثير من مسائلهم إلا أننا هنا نوافقهم ونعتقد أنهم مصيبون في هذه المسألة) حاشيته على كتاب ابن الجوزي ص127
ويقول ص173: ((وقولهم [أي المعتزلة] في تأويله صحيح لا غبار عليه، فتأملوه))
فلهذا يجب إرجاع هؤلاء إلى أصولهم الجهمية وشيخهم الجهم وأمثاله لا إلى أبو الحسن الأشعري الذي كان على بدعته أفضل من هؤلاء بمراحل كثيرة.
.
.
(شعر [مما وافق المعتزلة و الجهمية به])
ومما وافق فيه الجهمية كذلك: التوسع في الاشتقاق من الأفعال في مقابلة تعطيل الأسماء التي أثبتها الباري عز وجل لنفسه: فمن تعطيل الأسماء عند المعتزلة على سبيل المثال: تسمية الجبائي الله عز وجل " عارفاً، ودارياً ورائياً "
واشتد به السفه فسماه (محبل النساء حقيقة لأنه يخلق الحبل) انظر المقالات (531،526،527)
وتجده يمنع (متين) ويمنع عباد (وكيل) وغير ذلك أما الجويني، فنجده يمنع (خالق) حقيقة في الأزل قال في الإرشاد:
((ولذلك قال أئمتنا لا يتصف الباري تعالى في أزله بكونه خالقاً، إذ لا خلق في الأزل، ولو وصف بذلك على معنى أنه قادر كان تجوزاً) [الإرشاد ص62]
ويفسر شهيد بمعنى (عليم) فهو عنده من القسم الأول في الأسماء الذي دلت التسمية به على وجوده يعني (مميز لا يفيد معنى في نفسه) أكثر من الدلالة على الذات، وهذا موضع بحث مستقل لا يتسع له هذا المقام.
أما في جانب توسعه في الاشتقاق فما ألزم به أهل السنة بأنكم إذا أثبتم الصوت لازمكم أن يكون الله مصوتاً، [باب المتكلم من قام به الكلام ص49] وشبيه هذا الإلزام بما ألزم به عباد المعتزلي المتعسف أهل السنة بأنكم إذا جوزتم أن يخلق الله الشر، فبأي شيء تمنعوا أن تصفوه ـ جل جلاله عما يقول السفيه الكافر ـ بأنه شرير. [المقالات538]
ومن موافقته المعتزلة كذلك النص على خلق القرآن ـ أي ما سمعه جبريل ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم، وإن سماه الجويني بالقرآن مجازاً
قال الجويني في الإرشاد ص51:" فإن معنى قولهم ـ أي المعتزلة ـ هذه العبارات هي خلق
الله، أنها خلقه ونحن لا ننكر أنها خلق الله، ولكن نمتنع من تسمية خالق الكلام
متكلماً به، فقد أطبقنا على المعنى وتنازعنا بعد الاتفاق في تسميته " أهـ
وهذا كلام كفلق الصبح من محرر مذهب الأشاعرة فيه إقرار بموافقة المعتزلة على خلق القرآن وإن سموه بغير اسمه، أي قالت المعتزلة: قرآن مخلوق، وقالت الأشعرية: مخلوق وليس بقرآن، فقولهم مقارب إن لم يكن أخس من قول المعتزلة
.
.
(شعر [يلزم شيوخه بالتناقض])
لاحظ الجويني أن جمهور شيوخه في المذهب الأشعري قد ذهبوا إلى إثبات صفات كصفة اليد والعين والوجه ولكنهم تأولوا بعض الصفات كالاستواء الأمر الذي يلزم بالتناقض!
فلما أثبتوا تلك يلزم أن يثبتوا البقية حيث الدافع في التأويل واحد ولا وجه للتفرقة بينهما فقال:
((ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة وحمل العينين على البصر وحمل الوجه على الوجود)) الإرشاد ص155
ثم شرح ذلك ورد على الذين يعتقدون أنها صفات لله تعالى لورود نصوص صريحة في ذلك
وبين أن الذين يثبتون بعض الصفات دون بعض بأنهم متناقضون!!
لأن مساق الصفات واحد فإما أن تثبت جميعاً أو تؤول جميعاً!!
((ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات [أي اليدين والعينين الوجه] بظواهر هذه الآيات، لزمه سوق كلامه أن يجعل الاستواء والمجيء والنزول والجنب من الصفات تمسكاً بالظاهر .. )) الإرشاد ص157 - 158
¥