تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوقفة الأولى: من القصور في التأصيل العلمي التماس كل معنى عربي ودعك من الاصطلاح الحاصل بعد التنزيل في كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ورده لغة أو شرعاً إذا لم يوجد فيهما، لأن المعجم العربي المدون مليأً (3) بمئات المفردات والمعاني العربية التي لم ترد في الوحيين، وما في ذلك من عجب، لأن الوحيين ليسا معجماً لغوياً، وإنما هما تعبير عما أذن الله بإبلاغه شرعاً بلغة عربية مبينة من مجموع لغة العرب.

الوقفة الثانية: ليست كل صيغة من صيغ العربية ترد منقولة عن العرب قبل التنزيل، ثم عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .. وإنما تنقل المادة ببضعٍ وبعشرات من الصيغ، وتبقى صيغ المادة الأخرى على محض العروبة، لأن معاني الصيغ معروفة في السليقة، مؤصلة بعد التدوين .. وكل عربي يحول المادة إلى صيغةٍ ما حسب المعنى الذي يريده .. وقد يُعنى مدونو المعجم العربي بإيراد صيغ حول معناها وقياسها الصرفي خلاف، وبهذا يحقق أمثال ما حكاه ابن خالويه في كتابه: ليس من لغة العرب .. وعلى هذا فورود استعمال كل مادة في المعجم على صيغة لا اختلاف في صحتها صرفاً ومعنى ليس شرطاً في عربيتها، ونفي الاستعمال ليس علماً بالعدم، بل عدم علمٍ سببه إهمال اللغويين تقصي ما سمعوه للمادة من صيغ لا لبس في صحتها كما وردت في أمثالها من المواد.

الوقفة الثالثة: صحة الصيغة التي لم ترد في المعجم لمادة دون مادة إذا صحت صرفاً ومعنى .. أريد معنى الصيغة المضاف إلى معنى المادة قاض بأنها من استعمال العرب قبل التنزيل وفي عهد الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، لأن العربي إنما يعبر عن مراده بلغته إن احتاج إلى التعبير عن المادة بمعنى صيغة معينة.

الوقفة الرابعة: لو لم يصح ما ذكرته بالوقفة الثالثة وهو صحيح بيقين لما كان ذلك مسوغاً لقول الشادي: «ليس في أقوال الصحابة، ولا التابعين .. إلخ .. إلخ»، لأن هذا وقف على الحفاظ، ولأن الشادي لم يستوعب كل مخطوط، ولأن ما فقد من كتب المسلمين كثير جداً، ولأنه لم يفتش في كل موجود من مطبوع ومخطوط من كتب اللغة والآثار والأحاديث والأدب والشعر وأخبار العلماء وتراجمهم وإنما استراح إلى بضعة كتب كالراغب وغفل عن مدلول إشارته النفيسة التي ستأتي، فالأحرى به أن يقول: لا أعلم ذلك وارداً .. فإن أراد الترقي في العلم قال: ويظهر من مطولات اللغة المطبوعة أو المخطوطة إن كان استقرأها: أن العقيدة معروفة المعنى مادة وصيغة، ولكنها تورد الاصطلاح بها على المعنى المعروف الآن منسوباً إلى أهل السليقة .. هذا هو الورع والتواضع والبراءة من التمظهر.

الوقفة الخامسة: أن العقيدة اسم لما يقر في القلب معرفته: عن علم محقق، أو عن وهم، أو عن عادة وتلقين وتقليد .. وهي بعض النية، لأن النية إضمار لإنشاء قولٍ أو فعل .. وقلت: «وهي بعض معنى النية» من أجل المعنى اللغوي، لا بالمعنى الشرعي الذي جعل عقيدة الإيمان عمل قلبٍ ولسانٍ وجوارح أخرى يسمى فعلها عملاً لا قولاً .. والحكم الشرعي يضاف إلى المعنى اللغوي، فيكون معنى شرعياً .. وقولي: «العقيدة اسم لما يقر في القلب .. إلخ» إنما هو معنى لغوي بنص أهل اللغة، وبلازم نصهم، وبيان ذلك: أن مادة العين والقاف والدال في لغة العرب تعني الشد والتوثيق (4) .. وعمل القلب داخل في ذلك، لأنه يعقد «بشد وتوثيق» على وجدانه المعرفي، وعلى نيته .. والعقد مصدر، والعقيدة اسم، ومن معاني الفعلية الاسمية.

الوقفة السادسة: أن هذا المعنى الصحيح لغة مراعى في تفسير كلام الله .. وللأسف أن الأخ الشادي سرد نصوص القرآن الكريم في المادة، وعرج على قول الراغب، وغفل عن دلالة إشارته، ولم يكلف نفسه تدبر معاني الآيات الكريمات وأقوال المفسرين فيها، فقد ورد النص عن عقد الأيمان وتعاقدها، والمراد بالأيمان الوصف للأيدي، فهذا لا دخل لعقد القلب فيه، وذلك قوله تعالى: «ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً» «سورة النساء/33»، فهذا معاقدة على حلف موالي الموالاة .. قال الزمخشري: «عاقدتهم أيديكم، وما سحتموهم (5)»، فهذا من التعاقد بالأيمان من الأيادي، بل بالغ الزجاج فلم يقبل غير قراءة «عاقدت»، وحمل قراءة «عقدت» على غموض من العربية (6) .. ولم يشذ عن هذا المعنى إلا رواية غريبة رواها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير