تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[14 - 04 - 03, 01:03 ص]ـ

الحمد لله حق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فهذه المسألة التي يتباحثها الأخوة مسألة عظيمة، وأحببت أن اسطر بعض الكلمات التي أسأل الله أن ينفع بها في توضيح ما أفهمه في هذه المسألة، والمسألة كما قال أخي محب العلم id من باب المدارس والمذاكرة، سائلاً الله جل وعلا أن يبصرني وإخواني للحق في هذه المسألة، فأقول وبالله التوفيق، ومنه أستلهم العون والسداد:

موجب الغلط لدى كثير ممن ينظر لهذه المسألة أنه يفصل بين مقام العذر بالجهل، و بين مقام قيام الحجة الرسالية، ولهذا يكثر النزاع والشقاق، مع الاتفاق في المضمون تارة، ومع الاختلاف تارات!!

وليت الأخ محب العلم قدم مسألة قيام الحجة في معالمه على مسألة العذر بالجهل؛ حتى يتضح المراد.

وتوضيحا لذلك أقول: إن الله سبحانه تعالى بين أن الحكمة من إرسال الرسل هو إقامة الحجة على خلقه، وقد صرح بهذا الكتاب العزيز في غير ما آية، ومنه قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)، وقوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الاسراء: من الآية15).

ومقام قيام الحجة هو المقام الذي زلت فيه أقدام قوم، فظنوا أن الحجة إلا تقوم إلا بمناظرة من فعل المكفر أيا كان كفره، وإفحامه بحيث لا يبقى معه إلا المكابرة كحال فرعون وأبي جهل، وهذا لا شك أنه غلط على مقام الشرع.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قاتل أناسا فيهم من كان جاهلا أنه رسول الله حقيقة، فلم يدرء جهله عنه الحكم، مع أنه درء عن غيره- ربما آبائهم - من أهل الفترة؛ لأن الحجة قد قامت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحق أن قيام الحجة الرسالية، يختلف بحسب المسائل – كما قرره الأخ الفاضل محب العلم - ففي مقام الإقرار برسالة النبي صلى الله عليه وسلم – مثلاً- جعل النبي صلى الله عليه وسلم السماع به وبدعوته كافياً في الحكم على من لم يؤمن ليس بالكفر فحسب، بل والدخول في النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)، و قد دلت النصوص على أن أهل الفترات الذين لم تقم عليهم حجة أنهم يمتحنون يوم القيامة، كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، والمراد أهل الفترة المحضة الذين لم تبلغهم رسالة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (14/ 477):

لكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه، فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان فمن لا ذنب له لا يدخل النار، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة، فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار " اهـ.

ولما كان في الذين هم من أهل الفترات من كانت فيهم بقايا من النبوة حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل النار، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه وصححه غير واحد من أهل العلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو؟! قال: في النار. قال: فكأنه وجد من ذلك؟! فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار، قال: فأسلم الأعرابي بعد، وقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ".

وإن عدم استحضار مسألة قيام الحجة في محور النقاش هو الذي جعل من الأخ (أسد السنة) يظن أنه يلزم على الأخ محب العلم الحكم على أهل الفترة بأنهم من أهل النار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير