تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا مقام آخر لابد من تحقيقه، وهو أن قيام الحجة كما أنه يختلف باختلاف المسائل؛ ظهورا وخفاء، فهو يختلف باختلاف الأزمان بحسب ظهور آثار النبوة واندراسها، وهذا من المقامات الدقيقة التي يغفل عنها بعض الباحثين في هذه المسائل، ومما يدل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها. فقال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: " يا صلة، تنجيهم من النار "ثلاثا.

وقد أشار شيخ الإسلام إلى أن أهل الفترة ليسوا مختصين بالفترة التي ليس فيها نبوة، فقد تكون هناك فترات في هذه الأمة، وقد وضح هذا في كتابه الصفدية، وسأنقل كلام شيخ الإسلام مع طوله حتى يتضح المقام بإذن الله، قال رحمه الله (1/ 230):

" ومن هؤلاء من يقول أن الخطاب الذي يحصل لهم أفضل مما حصل لموسى وغيره، وهذا مذهب ابن العربي - صاحب الفتوحات المكية - وأمثاله ممن يدعي أن ما حصل لموسى ومحمد إنما كان بواسطة الخيال النفساني الذي هو عنده جبريل، وأن ما يحصل لابن عربي هو فوق ذلك؛ فإنه يأخذ من المعدن العقلي المحض الذي يأخذ منه الملك، الذي هو عندهم خيال في نفس النبي، ومرتبة العقل فوق مرتبة الخيال.

فلما اعتقدوا أن الملائكة التي تخاطب الأنبياء إنما هي خيالات تقوم بنفس الأنبياء زعموا أنهم إذا اخذوا عن العقل المحض كانوا قد أخذوا من المعدن الذي تأخذ منه الملائكة الذين أخذ عنهم الأنبياء، فكانوا أفضل من الأنبياء عند أنفسهم وعند أتباعهم، فهذا ونحوه مما يعلم بالاضطرار من دين الرسل أنه كفر وباطل من دينهم، فمن فهم القرآن وفهم كلام هؤلاء لزمه أحد أمرين؛ إما تكذيب القرآن وإما تكذيب هؤلاء، وإلا فقولهم وما جاء به الرسول متناقض تناقضا يعلمه كل من فهم كلامهم وكلام الأنبياء، ولا يتصور أن يقول هذا وأن يوافق على هذا الكلام إلا أحد رجلين:

إما جاهل لا يعلم حقيقة ما جاءت به الرسل وحقيقة قول هؤلاء، بل هو عنده تعظيم مجمل للأنبياء، وهؤلاء كالذين كانوا يعظمون محمدا ومسيلمة ويقولون نشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله وهذا الضرب كثير فيمن لم يعرف حقيقة النبي الصادق والمتنبي الكذاب، ويوجد كثير من هؤلاء في المنتسبين إلى الفقه والحديث والتصوف والزهد والعبادة والملك والإمارة والوزارة والكتابة والقضاء والفتيا والتدريس، وفيمن له دعوات مجابة وفيه صلاح وزهد وعبادة، وذلك لنقص معرفتهم بكمال النبوة والرسالة وحقيقة أقوال من يناقضها من بعض الوجوه دون بعض.

وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) 54 فلا بد عند حدوث المرتدين من وجود المحبين المحبوبين كما قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإخوانه يقاتلون المرتدين عقيب وفاة خاتم المرسلين وما حدث من الفتنة في الدين.

وأما منافق زنديق يعرف مناقضة هذا لهذا لكنه يظهر الموافقة والائتلاف لاعتقاده أن النبوة من جنس حال هؤلاء، ويلبس ما يقوله على من لم يعرف حقائق الأمور.

ومن هؤلاء من لا يكون قصده الزندقة والنفاق لكن لا يكون عارفا بحال الرسول وقدر ما جاء به ولكنه يعظمه تعظيما مجملا، ويرى هؤلاء قد تكلموا في النبوة وحقيقتها بكلامهم وهو عاجز عن معرفة حقيقة الأمر فيعتقد هذا في النبوة، وهؤلاء يكثرون في أماكن الفترات التي تضعف فيها آثار النبوة إذا لم يكن هناك من يقوم بحقائقها، وهؤلاء يكونون في الدول الجاهلية كدولة بني عبيد ودولة التتار ونحوهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير