ـ[حامد الداني]ــــــــ[05 - 09 - 05, 02:41 م]ـ
الدليل العقيم
دليلهم الذي هو فانوسهم السحري هو هذا السؤال:
هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل؟ إن قلت نعم، فأنت قائل بحوادث لا أول لها، و إن قلت لا فأنت معطل.
هذا السؤال يشبه سؤال إنسان جالس في ليلة مقمرة و القمر بدر، و ينور الارض بضيائه. و صاحبنا لا يعرف إلا المصابيح الکهربائية، لذلك يسأل صديقه الذي يجلس بجانبه: من أين تأتي الاسلاك الکهربائية التي تمد القمر بالکهرباء؟ و کم کيلوواط يصرف القمر من القوة الکهربائية في الليلة الواحدة؟
سؤال کهذا لا يمکن الجواب عليه إلا بأن تشرح للسائل بأن سؤاله خطأ و تبين له لماذا سؤاله خطأ. يجب أن تشرح له المسألة بالتفصيل لکي يفهم، لأن السؤال دليل علي قلة علمه بالقمر و ضيائه.
أولا: هذا السائل و کأنه لا يعرف معني الازل. الازل يعني عدم الاولية، لا أکثر و لا أقل. و الازلي يعني: الغير مسبوق بعدم أو بغيره من الاشياء، لا أکثر و لا أقل. هناك أزلي واحد، وهو الله سبحانه و تعالي. لايوجد أزلي اخر، لا زمان و لا مکان و لاشئ. ربما أصحاب السؤال يقولون الآن: کلنا نعرف أن الزمان و المکان و الاشياء کلها مخلوقة. أقول نعم، هذا کلامك بلسانك فقط، و لکن خيالك و وهمك يثبتان زمان لا بداية له، لذلك سألت سؤالك العقيم. و لو تخلصت تماما من الزمان لما سألت هذا السؤال أبدا. الانسان يولد و يعيش و يموت في الزمان، لذلك يصعب عليه التخلص منه. الانسان لا يعرف حادثا إلا و قبله حادث آخر، لا يعرف وجودا إلا و له قبل"قبل زماني". لذلك لا يتصور وجودا إلا مع قبل. فيسأل دائما: و ماذا کان قبل ذلك؟ الجواب هو: لا يوجد"قبل"، أي ليس لوجود أول مخلوق"قبل"بمعني الزمان، إنما قبله هو بداية وجوده فقط.
السؤال العقيم يشبه إيضا سؤال بهذا الشکل: هل بإمکان إمرأة أن تولد ولدا يکون عمره نفس عمرها؟ و الجواب واضح. معني السؤال هو: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا يکون أزليا کما أن الله سبحانه أزلي؟ هذا يعني: هل کان بإمکان الله سبحانه أن يخلق مخلوقا لا يکون مخلوقا؟ و هذا تناقض واضح، لأن المخلوق يعني مخلوق، و المخلوق هو الغير أزلي، والمخلوق يعني المسبوق بغيره. هذا السؤال ليس من کلام ابن تيميه،کما أعتقد، و إنما من إختراعات الاساتذة و الدکاترة المعاصرين الذين شوهوا سمعة إمامهم، و کأنه هو سبب فشلهم في فهم المسائل الفقهية و الکلامية و الفلسفية ..... الخ.
و يمکن أن يترجم السؤال العقيم بهذا الشکل: هل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا في الازل لا يکون أول مخلوق؟ الجواب هو: هذا السؤال أيضا يعني: هل کان بإمکان الله سبحانه أن يخلق مخلوقا لا يکون مخلوقا؟ لأن "في الازل" يعني في"عدم الاولية"، و الاول هو الله وحده و لا أول غيره. و هنا أيضا التناقض واضح. يمکن صياغة السؤال صياغات أخري أيضا، و لکن هذا يکفي.
و يمکن معارضة السؤال العقيم بسؤال آخر و يقال:أنت لا تقول بوجود مخلوق هو أول مخلوق، فهل کان بإمکان الله أن يخلق مخلوقا يکون أول مخلوق؟ فإن قال لا، فهو معطل، و إن قال نعم، أصبح يجيز ما لا يجيزه الامام ابن تيميه. لأن د. الغصن يقول في کتابه "دعاوي ... "ص195،أن الامام يقول: {و يلزم من قول المتکلمين لوازم فاسدة،منها:2 - وصف الله بالعجز و التعطل عن الفعل مدة لا تقاس بها مدة فاعليته، و هذا نقص يجب تنزيه الله منه}.أنتهي. إن الذي يقول بحوادث لا أول لها هربا من تعطيل صفة"الخلق"، يوقع نفسه في أحضان تعطيل صفة"الاختيار" و لا يفيده بعد ذلك أن يقول: أن لفظ"الموجب بالذات" لفظ مجمل، ثم يقسمه الي أقسام و يختار منها قسما و يقول بأن الموجب بالذات بهذا المعني لا يخالف القول:"ما شاء کان و ما لم يشأ لم يکن"، لأن الموجب بالذات بهذا المعني هو "الفاعل بالاختيار".إن کان الامر کما يقول ما کان هناك داع لهذه العملية الشاقة، لأن اللغويون وضعوا کلمة"الفاعل بالاختيار" لمعني"ما شاء کان ..... الخ." و الفاعل بالاختيار هو الذي بإمکانه أن يختار الفعل أو أن يختار عدم الفعل. الذي لا يمکنه إلا إختيار الفعل هو موجب بالذات، و ليس فاعلا بالاختيار.
و يمکن معارضة السؤال بسؤال آخر و هو: بما أنك لا تقول بوجود مخلوق يسمي أول مخلوق، فهل کان بإمکان الله سبحانه ألا يخلق شيئا، و يبقي وحده أزلا و أبدا؟ فإن قال لا فهو معطل، و إن قال نعم، أجاز ما لا يرضي به الامام ابن تيميه.کلام الامام (و هذا نقص يجب تنزيه الله منه) غير مفهوم، علي الاقل بالنسبة لي، لأن: إن کان خلق المخلوقات کمال و عدمه نقص، فأي نوع أو عدد من المخلوقات يکون کمالا؟ هل يکفي خلق أي مخلوق لا علي الاطلاق لکي يکون کمالا؟ فمثلا: هل يکفي کاتبا أن يکون کاملا ککاتب أن يکتب مجموعة خطوط کما يکتب طفل صغير علي ورقة؟ أليس هناك فرق بالنسبة لکمال الکاتب أن يکتب رواية عالي المستوي جدا أو أن يکتب جملة مفيدة واحدة فقط؟ هذا ليس إعتقاد عامة المسلمين. هم، أي عامة المسلمون، يقولون بأن الله سبحانه و تعالي کان خالقا قبل أن يخلق، و بعد الخلق لم يزدد صفة. و هکذا بالنسبة لجميع صفاته.الله سبحانه کان متصفا بکل صفات الکمال قبل خلق المخلوقات. هذا هو إعتقاد جماهير المسلمين، علماء و عواما.
و السلام عليکم
¥