تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((الجَحْد لشيءٍ ممَّا صحَّ البرهان أَنَّه لا إيمان إلاَّ بتصديقه كفرٌ، والنّطق بشيءٍ من كلِّ ما قام البرهان أَنَّ النُّطق به كفرٌ كفرٌ، والعمل بشيءٍ ممَّا قام البرهان بأَنَّه كفرٌ كفرٌ، فالكفر

يزيد، وكلُّ ما زاد فيه فهو كفرٌ، والكفر ينقص، وكلّه مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكلّه كفر، وبعض الكفر أعظم وأشدُّ وأشنع من بعضٍ، وكلُّه كفرٌ)) (1).

وقال أيضاً:

((إِنَّ الإقرار باللسان دون عقد القلب لا حُكْمَ له عند الله عزَّ وجلَّ لأَنَّ أحدنا يلفظ بالكفر حاكياً وقارئاً له في القرآن فلا يكونُ بذلك كافراً حتى يقرَّ أَنَّه عقده.

قال أبو محمد: فإن احتجَّ بهذا أهلُ المقالة الأولى - يعني المرجئة- وقالوا هذا يشهد بأَنَّ الإعلان بالكفر ليس كفراً. قلنا له - وبالله التوفيق -: ((قد قلنا إِنَّ التسمية ليست لنا وإِنَّما هي لله تعالى فلمَّا أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أَنَّه لا يرضى لعباده الكفر خرج القاريءُ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان، بحكايته ما نصَّ الله تعالى بأداء الشهادة بالحقِّ فقال تعالى: ?إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلمُونَ? (2) خرج الشاهد المُخْبِر عن الكافر بكفره عن أَنْ يكون بذلك كافراً إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان.

ولما قال تعالى: ?إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا (1) ?. خرج من ثبت إِكراهُه عن أَنْ يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصةِ الله تعالى والثَّبات على الإيمان، وبقي من أظهر الكفر: لا قارئاً ولا شاهداً، ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمَّة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله ? بذلك، وبنصِّ القرآن على من قال كلمة الكفر إِنَّه كافرٌ، وليس قول الله عزَّ وجل ?ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرَاً? على ما ظنُّوه من اعتقاد الكفر فقط، بل كلُّ من نطق بالكلام الذي يُحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً؛ بمعنى أَنَّه شرح صدره لقبولِ الكفر المحرَّم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أَنْ يقولوه وسواءً اعتقدوه أو لم يعتقدوه، لأَنَّ هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيرادِه وهو شرحُ الصدرِ به، فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق)) (1).

وقال أيضاً:

((وأما قولهم – يعني الجهميّة والأشاعرة المرجئة - إِنَّ إخبار الله تعالى بأَنَّ هؤلاء كلّهم كفَّارٌ دليلٌ على أَنَّ في قلوبهم كفراً وأَنَّ شَتْمَ الله تعالى ليس كفراً ولكنَّه دليلٌ على أَنَّ في القلب كفراً وإنْ كان كافراً لم يعرفِ الله تعالى قطٌّ. فهذه منهم دعوى مفتراة لا دليلَ لهم عليها ولا برهان: لا من نصٍ، ولا سنَّةٍ صحيحةٍ، ولا سقيمةٍ، ولا حجَّة من عقلٍ أصلاً، ولا من إجماعٍ، ولا من قياسٍ، ولا من قول أحدٍ من السَّلف قبل اللعين جَهْم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطلٌ وإفكٌ وزورٌ، فسقط قولهم هذا من قربٍ ولله الحمد ربِّ العالمين. فكيف والبرهان قائمٌ بإبطال هذه الدَّعوى من القرآن والسُّنن والإجماع والمعقول والحسِّ والمشاهدة الضرورية؟)) (1)

وقال أيضاً:

((ونقول للجهميَّة والأشعريَّة في قولهم: إِنَّ جحدَ الله تعالى وشتْمَه، وجحْدَ الرَّسول ? إذا كان كلّ ذلك باللسان فإِنَّه ليس كفراً لكنَّه دليل على أنَّ في القلب كفراً … من ادَّعى أَنَّ الله شهد بأَنَّ من أعلنَ الكفر فإِنَّه جاحدٌ بقلبه، فقد كذب على الله عزَّ وجل، وافترى عليه، بل هذه شهادة الشيطان التي أضلَّ بها أولياءَه، وما شهد الله تعالى إلاَّ بضدِّ هذا، وبأَنَّهم يعرفون الحقَّ ويكتمونه، ويعرفون أَنَّ الله تعالى حقٌّ، و أنَّ محمداً رسول الله ? حقٌّ، ويظهِرون بألسنتهم خلافَ ذلك، وما سمَّاهم الله عزَّ وجل قطُّ كفَّاراً إلاَّ بما ظهر منهم بألسنتِهم، وأفعالِهم كما فعل إبليس وأهل الكتاب، وغيرهم)) (2).

16. الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المالكي). ت:463هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير