القرآن كله شاهد أن لا نجاة للعبد يوم القيامة من النار إلا بالإيمان والعمل الصالح، والآيات في هذا كثيرة جداً، ومن قال: إن النجاة من النار تكون بمجرد لفظ الإيمان، وإقرار القلب بهذا اللفظ دون العمل مما فرضه الله وأوجبه: من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر، وطاعة لله ورسوله، فقد كذب آيات الله.
ففي القرآن أكثر من تسعين موضعاً جاء فيها الإيمان مقترناً بالعمل الصالح، وأن دخول الجنة يكون بهما معاً، ومن ذلك قوله تعالى:?وبَشِّرِ الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحات أنَّ لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ?.
وقوله تعالى:?إن الذينَ ءامنوا والذينَ هادُوا والنصارى والصابِئين مَنْ آمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وعمِلَ صالحاً فلهم أجرُهم عند ربِهِم ولا خوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون?. وهذه الآية لسنة الله في الجزاء للأمم جميعاً، أي أن كل الأمم حسابها عند الله أن من آمن منهم، وعمل صالحاً، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومفهوم هذه الآية أن من لم يكن كذلك، لم يكن كذلك.
وقوله تعالى:?فمَنْ كان يرجُو لقاءَ ربِهِ فلْيَعْمَلْ عملاً صالحاً ولا يُشْرِكْ بعبادَةِ ربِّهِ أحداً?. وقوله تعالى:?إن الذينَ ءامنوا وعملوا الصالحات كانتْ لهم جناتُ الفِرْدَوْس نُزُلاً?. وقوله تعالى:?والعصرِ ? إن الإنسانَ لفي خُسرٍ ? إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوْا بالحق وتواصوْا بالصبْر?.
وكذلك السنة، فإن السنة كلها مبينة أن النجاة إنما تكون بالطاعة لله ورسوله، ومن ذلك حديث النبي الجامع عن أبي هريرة أن رسولَ اللّه ? قال: «كلّ أمتي يَدخلونَ الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسولَ اللّه ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخلَ الجنة، ومن عصاني فقد أبى». فكيف يكون من عصى الله ورسوله أبداً، ولم ينفذ أمراً له مطلقاً من أهل الجنة، ولو يوماً من عمره؟
وضرب النبي ? مثلاً لذلك، قال جابرُ بن عبد اللّه يقول: جاءت ملائكة إلى النبيّ ? وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانُ، فقالوا: إِن لِصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إِنه نائمٌ، وقال بعضهم: إن العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظان، فقالوا: مثلهُ كمثل رجلٍ بَنى داراً، وجَعَلَ فيها مأدُبةً، وبَعثَ داعياً، فمن أجاب الداعيَ دخلَ الدارَ، وأكلَ من المأدبة، ومن لم يجبِ الداعيَ لم يدخل الدار ولم يأكل منَ المأدبة. فقالوا: أولوها له يَفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم إنّ العينَ نائمةٌ والقلبَ يقظانٌ، فقالوا: فالدارُ الجنة، والداعي محمدٌ ?، فمن أطاعَ محمداً فقد أطاعَ اللّه، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى اللّه، ومحمدٌ فَرَقٌ بينَ الناس». ومعنى الحديث أن من لم يطع الرسول، وخالف أمره لم يدخل جنة الله، وفي هذا أعظم الرد على المرجئة القائلين بأن من عصى الله ورسوله طيلة حياته، ولم ينفذ له أمراً أنه يدخل الجنة.
ثانياً: التلازم بين إيمان القلب و عمل الجوارح:
البرهان الثاني على أن عمل الجوارح من الإيمان هو أن المؤمن حقاً بقلبه لا بد وأن يدفعه ذلك إلى الطاعة، وأما من ترك الطاعة أبداً ولم يمتثل لأمر الله وأمر رسوله مطلقاً فلا يمكن أن يكون مؤمناً بقلبه، وإن ادعى الإيمان بلسانه.
والقرآن شاهد على ذلك أن لا إيمان في القلب لِمَنْ لا يستجيب لله بجوارحه. ومن ذلك قوله تعالى:?إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِرَ اللهُ وجلت قلوبُهُم وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُهُ زادَتْهُم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ? الذين يقيمون الصلاةَ ومما رزقناهم ينفقون ? أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ?. فدل ذلك على أن من يخاف الله بقلبه، ويزداد إيمانه مع ذكره، وتنزل آياته، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة فهو المؤمن على الحقيقة، الصادق في دعوى الإيمان، ومفهوم هذا أن من لم يكن كذلك فهو كاذب في دعوى الإيمان، ومثل هذه الآية قوله تعالى:?إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون?.
فذلك أن الإيمان الحق الصادق هو ما استلزم اليقين الصحيح والعمل الصالح ..
¥