وانظر كيف أراد هؤلاء المرجئة أن يبطلوا كلام الله في المنافقين الذين لا استدلال عليهم إلا بعملهم الظاهر. فالمنافقون لا يعرفون إلا بتأخرهم عن الصلاة، وإبطائهم عن الجهاد، ولمزهم وغمزهم بالمؤمنين وتحريفهم للكلم عن مواضعه، وموالاتهم لأعداء المسلمين، وكذبهم، وإخلافهم العهود، وخيانتهم الأمانة، وفجرهم في خصومهم مع المؤمنين ... وإذا فعل المنافقون بعض ذلك عرفوا بالنفاق، وأخذ المسلمون منهم الحذر، وميز المؤمنون صفهم عن صفهم ... {قل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين?. وجاء هؤلاء المرجئة المعاصرون على درب إخوانهم السابقين فقالوا بل من يشهد أن لا إله إلا الله وادعى الإسلام فإنه يكون مؤمناً عنده أصل الإيمان وإن ترك كل ما أمره الله به من الفرائض والواجبات والمستحبات، وفعل كل ما نهاه الله عنه من الخبائث والمنكرات!!
سبحانك هذا بهتان عظيم، وكذب وافتراء على الله رب العالمين.
2) نقض الأحكام التي تأمر أهل الإسلام بالحكم بالكفر على من أظهر الكفر:
من أعظم مفاسد هذه العقيدة أعني القول بأن من شهد بلسانه أنه مسلم وأقر قلبُه بذلك فهو مؤمن وإن لم يأت بأي من أعمال الإيمان الظاهرة لا صلاة، ولا زكاة، ولا صياماً، ولا حجاً .. بل ومن فعل كل المكفرات والمنكرات إذا لم يعتقدها!! أقول من مفاسد هذه المقالة أيضاً أن الأحكام التي أمر الله أهل الإيمان أن يجروها على الناس في الظاهر تبطل، فمن ذلك قتال من لم يظهر الصلاة فعن حُميدٍ قال: سمعتُ أنساً ? يقول: «كان رسولُ الله ? إذا غزا قوماً لم يُغِرْ حتّى يُصبحَ، فإن سمعَ أذاناً أمْسَك، وإن لم يَسمَعْ أذاناً أغارَ بعدَ ما يُصبح. فَنزَلْنا خَيبرَ ليلاً».
وأرسل النبي ? من يقتل من تزوج امرأة أبيه وأمر أن يخمس ماله، فقتله قتلة الكافر، ولم يورث ماله ورثته، وإنما جعل ماله غنيمة.
وعلى هذا سار أصحابه من بعده فقاتلوا وقتلوا من تمالئوا على منع الزكاة، وقاتلوهم قتال الكفار، وكذلك وأجمعوا جميعهم على كفر تارك الصلاة، واتفقوا على وجوب قتله، وسار أئمة الإسلام على ذلك فقتلوا كل من أظهر مكفراً، وأفرد المسلمون باباً في الفقه لحكم المرتد والزنديق. فالمرتد من فعل مكفراً لا مسوغ له فيه أو ارتد عن دين الإسلام إلى دين آخر. والزنديق من قال في الإسلام مقالة الكفر وإن ادعى أنه مسلم.
والخلاصة أن إجراء أحكام الكفر على من جاء بمكفر ظاهر لا تأويل له إلا الكفر قد جاء به القرآن والسنة، وأجمع عليه الصحابة ..
وجاء هؤلاء فأرادوا نقض هذا الأصل الأصيل الذي هو باب لحراسة الدين، وبه يتميز صف المسلمين عن صف الكافرين فأرادوا هدم هذا الأصل، وإزالة هذه الحراسة للدين، وفتحوا الطريق أمام جميع الكفار والمنافقين ممن يقولون قولاً بألسنتهم لا تصدق قلوبهم، فيزعمون أنه لا يشترط لصحة الإيمان عمل ظاهر غير النطق بالشهادتين. وأن هذا الأصل لا ينتقض بترك صلاة، ولا زكاة، ولا حج ولا بأي عمل من أعمال الكفر مالم يعتقده فاعله!! وبهذا يستطيع أي كافر أن يقوم بهدم الإسلام، فيحل كل المحرمات ويحرم ما شاء من الواجبات والمباحات، وليس عليه إلا أن يدعي بلسانه أنه من أهل الإسلام فلا يكفر بذلك ولا يخرج من دائرة المسلمين ...
3) هل أخطأ الصحابة في قتالهم لمانعي الزكاة، وإجماعهم على كفر تارك الصلاة:
من لازم قول المرجئة أن الصحابة رضوان الله عليهم قد أخطئوا في قتالهم مانعي الزكاة قتال الكفار والمرتدين وفي إجماعهم على كفر تارك الصلاة، ومن ذهب هذا المذهب فقد خالف إجماع الأمة وفارق جماعة المسلمين.
4) تفريغ الدين من محتواه:
من أعظم الفساد الذي يحدثه هذا المذهب البغيض مذهب أهل الإرجاء أنه يفرغ الإسلام من محتواه، ويفقده حقيقته ومضمونه ومعناه، إذ يجعله مجرد قول يجري على اللسان وزعم كاذب لصاحب هذا القول أن مصدق بقلبه ... وأن من أتى هذا فعنده أصل الإيمان، وأنه وإن لم يستجب لله في أمر قط لا فعلاً ولا تركاً فإنه يبقى مع ذلك مؤمناً تناله مشيئة الرحمن، ويلحقه حتماً العتق من النار والغفران.
¥