تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عنّ عُبادةَ بنَ الصامِتِ رضيَ اللّهُ عنهُ ـ وكانَ شَهِدَ بَدْراً، وهُوَ أَحَدُ النّقَباءِ لَيلةَ العقَبَةِ ـ أَنّ رسولَ اللّهِ ? قال وَحَوْلَهُ عِصابَةٌ مِنْ أَصحابهِ: «بايعوني على أنْ لا تُشرِكوا باللّهِ شيئاً، ولا تَسْرِقوا، ولا تَزْنوا، ولا تَقْتُلوا أَوْلادَكم، ولا تَأْتوا بِبُهْتانٍ تَفْتَرونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكمْ وأرْجُلِكمْ، ولا تَعْصوا في مَعْروف. فمَنْ وَفَّى منكم فأجْرُهُ على اللّهِ، ومن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً فعُوقِبَ في الدّنْيا فهُوَ كَفّارَةٌ له، ومَن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً ثُمّ سَتَرَهُ اللّهُ فهُوَ إلى اللّهِ: إنْ شاء عَفا عنهُ، وإن شاء عاقَبَهُ». فبايَعناه على ذلك.

والشاهد فيه «ومن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً فعُوقِبَ في الدّنْيا فهُوَ كَفّارَةٌ له، ومَن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً ثُمّ سَتَرَهُ اللّهُ فهُوَ إلى اللّهِ: إنْ شاء عَفا عنهُ، وإن شاء عاقَبَهُ».

التوبة تغفر الذنوب جميعاً:

ولما كان الرب الإله العظيم هو الله الرحمن الرحيم، فإنه سبحانه كتب على نفسه أن يقبل كل تائب وراجع إليه، ومعتذر عن ذنبه وجرمه مهما كان هذا الذنب ولو كان كفراً، وشركاً، وعناداً، وكبراً، وسباً له -سبحانه- وشتماً، ولو كان سعياً في إبطال دينه، وإطفاء نوره، وحربه وحرب أوليائه قال تعالى:?قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ? وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ? وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ? أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ? أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ? أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ? بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ءَايَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ? وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ?.

وقد قال رسول الله ?: " الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، والهجرة تجب ما قبلها ".

والجب هو القطع والاستئصال، والمعنى هنا مغفرة كل ما سلف من الذنب. وقال تعالى:?قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ?.

لا يقبل بعد الموت اعتذار من الذنب صغيراً كان أو كبيراً:

اعلم -رحمني الله وإياك- أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من عبدٍ اعتذاراً عن ذنبه قط بعد الموت. أعني الذنب الذي لم يتبْ منه قبل الموت، فكل ذنب مات عليه صاحبه غير تائب منه فإنه يصبح مرتهناً به واقعاً تحت العقوبة. منتظراً فيه لحكم الرب الإله العظيم سبحانه وتعالى ... فأما من مات على الكفر والشرك فإن الله قد أعلم الجميع فيه بحكمه، وأنه لا يغفر الشرك أبداً، ولا يدخل الجنة كافراً، ولا يقبل من صاحبه شفاعةً، ولا عدلاً، ولا اعتذاراً.

فلو تقدم إليه كل شافع فلا يقبل الله ذلك?فما تنفعهم شفاعة الشافعين?، ولا يقبل الله منه فداءاً ولو ملء الأرض ذهباً، لو افترض أنه يملك ذلك:?إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ?.

وأما من مات مؤمناً موحداً غير مشرك بالله شيئاً وله معصية لم يتب منها قبل موته أو تاب منها توبة ناقصة فإنه يظل مرتهناً يوم القيامة بمعصيته، وأمره إلى الله إن شاء عذبه في الموقف أو في النار، وإن شاء غفر له ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير