وهذا الحديث، دل على أن الإسلام مبني على خمسة أركان. وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان.
ومعنى قوله: [بني الإسلام على خمس] أن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس دعائم البنيان، وأركانه التي يثبت عليها البنيان.
وقد روي في لفظ: [بني الإسلام على خمس دعائم] (خرجه محمد بن نصر المروزي).
وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب، نقص البنيان ولم يسقط بفقده، وأما هذه الخمس فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها.
وكذلك إن زال منها الركن الأعظم، وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما، ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي، فاختلف العلماء: هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها، أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها، فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة؟ وفي ذلك اختلاف مشهور.
وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد.
وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة.
وكذلك قال سفيان بن عيينة: " المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء ً، لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية، وترك الفراض من غير جهل ولا عذر هو كفر".
وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس، وعلماء اليهود، والذين أقروا ببعث النبي بلسانهم، ولم يعملوا بشرائعه.
وروى عن عطاء ونافع مولى ابن عمر، أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة، ولا أصلى. فقالا: هو كافر .. وكذا قال الإمام أحمد.
ونقل حرب، عن إسحاق، قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره، يرجأ أمره إلى الله بعد، إذ هو مقر. فهؤلاء الذين لا شك فيهم. يعني: في أنهم مرجئة.
وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض.
وروى يعقوب الأشعري، عن ليث، عن سعيد بن جبير، قال: " من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر، ومن أفطر يوماً من رمضان متعمداً فقد كفر، ومن ترك الحج متعمداً فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمداً فقد كفر".
وروى عن الحكم بن عتيبة نحوه، وحكي رواية عن أحمد، اختارها أبو بكر من أصحابه، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله، وهو قول أبي بكر الحميدي، وروي عن ابن عباس: التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض.
فروى مؤمل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس - ولا أحسبه إلا رفعه -، قال: " عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهن أسس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، من ترك منها واحدة فهو بها كافر حلال الدم، وتجده كثير المال لم يحج، فلا يزال بذلك كافراً، ولا يحل دمه، وتجده كثير المال لا يزكي، فلا يزال بذلك كافراً، ولا يحل دمه".
ورواه قتيبة، عن حماد بن زيد، فوقفه، واختصره، ولم يتمه.
ورواه سعيد بن زيد - أخو حماد -، عن عمرو بن مالك - ورفعه، وقال: " من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يقبل منه صرف ولا عدل، وقد حل دمه وماله" ولم يزد على ذلك.
والأظهر: وقفه على ابن عباس .. فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفراً، لكن بعضها كفر يبيح الدم، وبعضها لا يبيحه.
وهذا يدل على أن الكفر، بعضه ينقل عن الملة، وبعضه لا ينقل.
وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر، دون غيرها من الأركان، كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم.
وممن قال بذلك: ابن المبارك وأحمد - في المشهور عنه - وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم، كما سبق.
وقال أيوب: ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. (خرجه الترمذي)
وقد روي عن علي وسعد وابن مسعود وغيرهم، قالوا: "من ترك الصلاة فقد كفر".
وقال عمر: " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ".
وفي صحيح مسلم، عن جابر، عن النبي، قال: [بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة].
¥